يعتبر الرئيس البرازيلي الخامس والثلاثون (2003-2011)، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، أحد أبرز قادة التغيير في العالم خلال العقد الأول من الألفية، حيث اختير كشخصية العام (2009) من قبل صحيفة «لوموند» الفرنسية، وصُنف حسب مجلة «تايم» الأمريكية (2010) بأنه «الزعيم الأكثر تأثيراً في العالم»، وحصل على وسام الاستحقاق البرازيلي، وعلى جائزة «فيليكس هوفوية ـ بوانيى للسلام» من اليونيسكو، وهو الشخص الوحيد في أمريكا اللاتينية الذي ورد اسمه في قائمة الخمسين الأكثر نفوذاً بين زعماء العالم.
وكان لولا دا سيلفا قد مرّ في طفولته بظروف صعبة، حيث توقف عن التحصيل الدراسي في سن العاشرة بسبب الفقر، واضطر للعمل كماسح للأحذية لفترة طويلة في شوارع ساو بولو، وكصبي في محطة وقود، ثم حرفي في ورشة، وميكانيكي لإصلاح السيارات، وبائع خضروات، وانتهى به الحال كمتخصص في التعدين.
وتعرّض في سن التاسعة عشر، لحادثة أثناء عمله في إحدى مصانع قطع الغيار للسيارات، أدت إلى فقدانه أصبعاً في يده اليسرى، وعانى الكثير ليحصل على العلاج، ما دفعه للتفكير في حقوق العمال ومدى أهمية تحقيق العدالة الاجتماعية بين مختلف فئات المجتمع.
وفي عام 1981 حكمت علية المحكمة العسكرية بالسجن ثلاث سنوات ونصف بتهمة التحريض، إلا أن ذلك لم يمنعه من المشاركة في أول انتخابات لحكومة ساو بولو، ومن ثم المشاركة في عدة فعاليات سياسية منها، المساهمة في صياغة دستور البرازيل عام 1988، والترشح للرئاسة ثلاث مرات (1989، و1994، و1998) فشل فيها في الوصول إلى منصب الرئيس، ثم ترشح للمرة الرابعة عام 2002، وحصل على أكثر من 51 مليون صوت (بنسبة 61% من إجمالي عدد الأصوات) ليصبح أول رئيس يساري منتخب عن حزب العمال منذ إنشاء جمهورية البرازيل (1889).
وبمجرد توليه الرئاسة، بادر سيلفا إلى تبني برامج لدعم الفقراء، وتبنى برامج اجتماعية أسهمت في تحقيق نهضة اقتصادية، حيث استحدث ضريبة على صفقات الأسلحة في العالم لمكافحة الفقر، وينسب له الدور الأكبر في النهوض بالبرازيل من خلال خطة وضعها للنهوض الاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية في بلد عانى سنوات طويلة من الاستبداد العسكري وارتفاع نسب التضخم والفقر والبطالة.
وتُعزى النهضة الاقتصادية للبرازيل في عهد سيلفا إلى الموازنة ما بين البرامج الاجتماعية للأسر الفقيرة مع التصنيع والتصدير بالاعتماد على الشركات العملاقة التي تنتج السيارات والطائرات والمنتجات الغذائية مثل اللحوم والدواجن، واستحداث برنامج «بولسا فاملي» بقيمة 80 مليار دولار، الذي حسن بموجبه أوضاع 8 ملايين أسرة فقيرة، مشترطاً على كل الأسر المستفيدة من هذا البرنامج أن يواظب أبناؤهم على الدراسة.
ولتحقيق إصلاحاته الاقتصادية، استعان سيلفا بخبراء اقتصاديين لتبني نظام ضريبي تدريجي نجح في توفير ما يقارب 60 مليار دولار خصصها لمساعدة الأسر الفقيرة والقضاء على ظاهرة توارث الفقر، ما أدى إلى إخراج أكثر من 20 مليون مواطناً من تحت خط الفقر، وفي غضون ثمان سنوات، سددت البرازيل كامل ديونها لصندوق النقد الدولي، بل وأصبحت من أكبر مقرضيه، وارتفع الحد الأدنى للأجور من 200 إلى 510 ريال برازيلي.
وبناء على تلك الإصلاحات ارتفعت البرازيل إلى المرتبة الثامنة كأكبر اقتصاد على مستوى العالم، وأصبحت من ضمن قائمة الدول المؤثرة في الخمس عشرة سنة المقبلة، وتشير التوقعات إلى إمكانية تخطي البرازيل اقتصاد ألمانيا واليابان معاً بحلول عام 2040، نظراً لمقوماتها الاقتصادية الضخمة في مجالات الزراعة والصناعة والاكتشافات البترولية الجديدة.
وتأتي تلك النهضة بالدرجة الأولى من إدراك الرئيس سيلفا أن البرازيل لم تكن تنقصها الأموال ولا الموارد، بل كانت المشكلة تكمن في تركيز الحكومات السابقة نحو الأثرياء، معتقدة أنهم رافعة اقتصاد البلاد الوحيدة، ما دفع بسيلفا للقيام بأكبر عملية تغيير اقتصادي تهدف إلى الاستفادة من أكبر ثروة تملكها البرازيل والمتمثلة في وجود 95 مليون عامل.