أزمة المعيارية الأوروبية في التحليل الأمني

نعم… كان يستحق (!)

انتشر مقطع فيديو لوزيرة الخارجية السابقة، مادلين أولبرايت، بمناسبة إعلان وفاتها في 23 مارس 2022.

كان المشهد مقتطعاً من مقابلة أجرتها أولبرايت في برنامج “60 دقيقة” الأمريكي، وبدأ بسؤال المذيعة: “سمعنا أن نحو نصف مليون طفل ماتوا وهذا عدد أطفال أكثر من الذين ماتوا في هيروشيما هل الثمن يستحق؟”، فأجابتها أولبرايت بكل برود: “أعتقد أن ذلك كان خيار صعب، ولكن نعتقد أن الثمن يستحق ذلك”.

لم تكن المسألة تتعلق بمقتل نصف مليون طفل عراقي فحسب، وإنما بفاتورة ضخمة، تتضمن مقتل أكثر من مليون عراقي، حوالي 40% منهم كانوا من النساء والأطفال، وتشريد نحو مليونين وثلاثمئة ألف، يضاف إليهم نحو 1,6 مليون عراقي أُبعدوا عن ديارهم داخل العراق خلال الفترة 2006-2010، ويُشكِّل هذا العدد 5,5 في المئة من عدد سكان البلاد، وفق تقديرات “المنظمة العالمية للهجرة”.

وتضمنت قائمة الانتهاكات الأمريكية؛ قصف المناطق السكنية بالفوسفور الأبيض واستهداف القوات العراقية باليورانيوم المُنضّب وغيرها من الأسلحة المحرمة دولياً، ما تسبب في ظهور العديد من الولادات المشوهة، وارتفاع حالات الإصابة بالسرطان، وظهور أمراض لم تكن معروفة في العراق قبل عام 2003.

وخلفت الحرب حوالي خمسة ملايين طفل عراقي يتيم، أي حوالي 5% من إجمالي الأيتام في العالم، وفقاً للمفوضية العراقية العليا لحقوق الإنسان.

وبلغت تكلفة العملية، التي أسمتها وزارة الدفاع الأمريكية: “عملية حرية العراق” (!)، نحو ثلاثة تريليونات دولار، وفق تقدير الاقتصادي الأمريكي جوزيف ستيغليتز، الفائز بجائزة نوبل للاقتصاد لعام 2001، وليندا بيلميز، كبيرة المحاضرين في شؤون السياسة العامة والتمويل والموازنات في جامعة هارفارد الأمريكية.

وعلى الرغم من تلك الخسائر الفادحة؛ إلا أن أولبرايت استمرت في التعريف بنفسها كمدافعة عن حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم، وكانت تؤكد أن الولايات المتحدة “أمة لا غنى عنها” عندما يتعلق الأمر باستخدام الدبلوماسية المدعومة باستخدام القوة للدفاع عن القيم الديمقراطية في جميع أنحاء العالم.

لم تمتلك أولبرايت شجاعة الاعتراف بالخطأ، مخالفة بذلك عدداً من المسؤولين الأمريكيين، ومنهم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي اعتبر أن غزو العراق كان أسوأ قرار في تاريخ الولايات المتحدة، قائلاً: “أنفقنا ثمانية مليارات دولار على أسوأ قرار”.

أما رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، فقد اعتذر بنبرة مكابرة، قائلاً: “أعتذر عن حقيقة أن المعلومات الاستخبارية التي تلقيناها واستُخدمت لغزو العراق كانت خاطئة… أعتذر عن سوء التخطيط لحرب العراق… أعتذر أيضاً عن بعض الأخطاء في التخطيط، وبالتأكيد عن خطئنا في فهم ما سيحدث عند إسقاط النظام”… لكنه أصر على أنه غير نادم على الإطاحة بصدام حسين.

إخفاقات عولمة النموذج

مع انسحاب آخر جندي أمريكي من العراق وأفغانستان (2021)؛ بات من الواضح أن محاولات عولمة النموذج الغربي آلت إلى فشل ذريع، خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها استمروا في دعم النظم الانقلابية العسكرية ضد الحكم المدني الديمقراطي في العديد من الدول النامية لمجرد الشك بوجود تعارض مع مصالحهم.

وبات من الواضح أن تجربة فرض الديمقراطية-الليبرالية الجديدة قامت على أسس واهية تتمثل في: حصر تطور النظام الدولي بين “بداية التاريخ”، في معاهدة ويستفاليا عام 1648، و”نهاية التاريخ” عام 1989، وفق رؤية فوكوياما، التي حرفت الليبرالية الكلاسيكية من اتجاهها الأخلاقي الذي يفترض الخيرية في البشر، إلى نسخة ليبرالية “متوحشة”، لا تقبل التعددية، ولا تتوانى عن شن الحروب ضد من يختلف معها، وتمنح نفسها حق نشر مبادئها بقوة السلاح، حيث مثّل مفهوم “نشر الليبرالية-الديمقراطية” الحجة التي استند إليها عدد من الرؤساء الأمريكان في حروبهم ضد الدول “غير الديمقراطية”، وفي تبرير الانتهاكات التي تم ارتكابها بحق ملايين البشر.

وبالإضافة إلى النتائج المروعة لغزو أفغانستان (2001) والعراق (2003)؛ مثلت الأزمة المالية عام 2008 نكسة ثالثة لليبرالية التي فقدت شعبيتها في الغرب، مفسحة المجال لصعود التيار “الشعبوي اليميني”، فيما اندفع المفكرون الغربيون للتنديد بفكرة “نهاية التاريخ” باعتبارها ذروة الغطرسة، ورأوا في صاحبها، فوكوياما، مفكراً ساذجاً يؤمن بحتمية فكرة التقدم الآتي من الغرب، ومصاباً بعمى اختياريّ عن جرائم الديمقراطيات الليبرالية.

وكشفت التداعيات الأمنية والاقتصادية لتفشي وباء كورونا (2020-2022) هشاشة المنطلقات الفكرية لليبرالية-الديمقراطية التي قامت على عمومية مفرطة، ولم تُثبت قدرتها على مواكبة التحولات الدولية، وخاصة في أعقاب الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان والعراق، واندلاع الحرب الأوكرانية (2022)، ما دفع بعدد كبير من الباحثين إلى تأبين المشروع الليبرالي، وانضم إليهم الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين، قائلاً: “إن الديمقراطية الليبرالية عفا عليها الزمن”.

وتعاني الليبرالية الغربية اليوم من فقدان ذرائعها التقليدية، المتمثلة في: صيانة حقوق الإنسان، والدفاع عن الحريات المدنية، ومحاربة الإرهاب، وغيرها من الشعارات التي بات من الواضح أنها تُستخدم لتحقيق أغراض سياسية مغايرة.

ويستفاليا كبداية للنظام الحديث

انطلقت الدراسات الأمنية المعاصرة من معاهدة ويستفاليا (1648) كنقطة بداية لقيام النظام الدولي الحديث، معتبرة أن هذه الاتفاقية قد نتج عنها: إنهاء الحروب الدينية، وظهور الدول القومية، وتغير السلوك السياسي الأوروبي، وفصل سلطة الدولة عن سلطة الكنيسة، ومنع التدخل في شؤون الدول، بالإضافة إلى اتخاذ أوروبا كنقطة “إسناد جغرافي” لنشوء النظام الدولي، على اعتبار أن تلك المعاهدة قد دشنت حقبة جديدة في السياسة الدولية الحديثة.

لكن ذلك النموذج تعرض لنكسات شديدة نتيجة الحرب العالمية الثانية، التي دمّرت أوروبا وأفقدتها مكانتها المركزية، فيما واجه النموذج الأمريكي تحدياً من قبل دول صاعدة في آسيا كالصين والهند وروسيا، وغيرها من القوى النووية ومن الاقتصاديات العملاقة خارج الإطار الأوروبي.

وعلى إثر انتهاء “الحرب الباردة”؛ بدأت المفاهيم التقليدية للحرب والسلم تفقدان مدلولاتهما، نتيجة ظهور أنماط جديدة من الصراعات المسلحة، كالحروب المحدودة، وحالة “اللاحرب واللاسلم”، والحروب غير النظامية، و”الحروب التحريكية”، و”الحروب النفسية” و”الحروب الدعائية”، بالتزامن مع توسع مفهوم القوة ليشمل أدوات أخرى غير عسكرية كأدوات “القوة الناعمة”، وتنامي أدوات التأثير الدولي، وتزايد أهمية الرأي العام.

وعلى الرغم من انتقال قطاع كبير من الزخم البحثي إلى الولايات المتحدة الأمريكية في حقبة الحرب البادرة؛ إلا أن الأطروحات الليبرالية استمرت في الانطلاق من معاهدة ويستفاليا كنقطة ارتكاز لنشوء النظام الدولي، وذلك بناء على أربعة افتراضات أثبتت الدراسات المعاصرة عدم صحتها، وهي:

1- الادعاء بأن الاتفاقية هي: “أول اتفاق دبلوماسي في العصور الحديثة”، وهو افتراض غير دقيق، حيث اتفق المؤرخون على أن بداية العصر الحديث تعود إلى قرن ونصف قبل تلك المعاهدة، أي في القرن السادس عشر الذي شهد إبرام عدد من الاتفاقيات المهمة بين مختلف الدول (منها على سبيل المثال لا الحصر؛ معاهدات “القسطنطينية” (1533) بين الدولة العثمانية والنمسا، ومعاهدتي “أدرنة” (1547) و(1568) بين الدول العثمانية والنمسا والإمبراطورية الرومانية المقدسة، ومعاهدة “أماسيا” (1555) بين الدولتين العثمانية والصفوية، ومعاهدة “كاتو-كامبريسيس” (1559) وهي أول اتفاقية تسوية دبلوماسية تشهدها أوروبا في العصر الحديث.)، مع التأكيد على أن “ويستفاليا” لم تمثل نقطة فارقة في التاريخ الحديث، ولم تؤسس لنظام دولي، بل سارت الأمور على المنوال التقليدي في العالم، حيث استمر التنافس الأوروبي على المستعمرات في أمريكا، وظهرت إمبراطورية: “تشنينغ” (1644-1912) في الصين، وسيطر مغول الهند على شبه القارة الهندية، وانخرطوا في حروب طاحنة مع الدولة الصفوية (1649-1653)، فيما كانت الدولة العثمانية تدير شؤونها في الأقاليم الخاضعة لها بأوروبا الشرقية طوال القرن السابع عشر دون تغيير يذكر.

2- افتراض أن الاتفاقية: “أرست نظاماً جديداً في أوروبا يقوم على عدم التدخل في شؤون الدول”، وهو ادعاء تنقضه الأحداث التاريخية، إذ لم تسفر المعاهدة عن تأسيس نظام أوروبي جديد، ولم يكن لها أي تأثير يذكر في الحروب التي كانت محتدمة في أوروبا، بما فيها؛ الحرب الإسبانية-الفرنسية (1635-1659)، والحرب الإنجليزية-الهولندية (1652-1654)، والحرب الفرنسية-الهولندية (1672-1678)، واستمرت الدول الأوروبية بالتدخل في الشؤون الداخلية لبضعها البعض، نتيجة الصراعات المحلية والحروب الأهلية في كل من: بريطانيا (1642-1651) وفرنسا (1648-1653)، والصراع بين بولندا وأوكرانيا (1648-1657)، والبرتغال وإسبانيا (1640-1668)، وغيرها من القوى الأوروبية التي لم تعبأ بما تم إبرامه في “ويستفاليا” عام 1648.

3- القول بأن الاتفاقية: “أنهت الحروب الدينية”، وهو ادعاء نقضته العديد من المصنفات التاريخية التي أكدت أن الكنسية هبّت لمنع الحد من سلطاتها في النصف الثاني من القرن السابع عشر، ووقفت خلف جولة جديدة من الحروب الدينية التي شملت: الحرب “السوفياردية الولدينيسية” (1655-1690)، وحرب التسع سنوات (1688-1697)، وعدد من الحروب التي اتخذت طابعاً دينياً في أوروبا طوال القرن السادس عشر(منها على سبيل المثال لا الحصر: حرب الممالك الثلاث (1639-1651) بين إنجلترا واسكتلندا وإيرلندا، والتي كان العنصر الديني فيها أساسياً، وحرب فيلمرغن الأولى (1656) في الاتحاد السويسري القديم، والحرب بين إنجلترا والجمهورية الهولندية (1665-1667)، وحرب “الثورة المجيدة” (1688-1689)، و”انتفاضة اليعاقبة” (1689)، بالإضافة إلى حرب الخلافة الإسبانية (1701-1714) والتي تدخلت فيها معظم الدول الأوروبية، وكان العنصر الديني فيها قوياً).

4- الزعم بأن الاتفاقية: “أسست مبدأ الدولة القومية واحترام استقلالها”، وهو أمر منافٍ للحقيقة، إذ لم يكن لتلك الاتفاقية دور في ظهور الدول القومية، بل استمرت الإمبراطوريات الأوروبية على النسق ذاته، فيما يُرجع المؤرخون ظهور مصطلح “القومية” (Nationalism) إلى رد الفعل الألماني على الحروب النابليونية في مطلع القرن التاسع عشر، وبروز القومية البريطانية سنة 1830وما أعقبها من دعوات لتأسيس دول على أسس قومية في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا فيما بعد.

والحقيقة هي أن العالم لم يشهد قيام نظام دولي بالمعنى الحديث خلال الفترة الممتدة ما بين ويستفاليا (1648)، وحتى مطلع القرن التاسع عشر، ولا يصح الادعاء بأن المعاهدة قد أسست لمفهومي “توازن القوى” و”التعددية القطبية”، أو أنها أسست لمفهوم الدولة القومية، كما يدعي المنظرون الكلاسيكيون.

الأمن الإقليمي من منظور مختلف

وفي مقابل انخراط منظرين غربيين بتحليل النظام العالمي من نقطة انطلاق افتراضية على صعيد الزمان (ويستفاليا 1648) والمكان (أوروبا)؛ شكك باحثون آخرون بتلك الافتراضات، وعلى رأسهم المؤرخ الفرنسي الكبير، فرنان بروديل، الذي أرجع الدبلوماسية الدولية إلى حقبة سابقة، وتتبع قيام نماذج تعاونية بين الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط في القرن السادس عشر.

وبالإضافة إلى مراجعات بروديل؛ رأى بنجامين ميللر أن ضيق أفق النظريات الأوروبية وتمحورها حول أحداث وقعت في رقعة جغرافية محددة وفي غضون سنة محددة؛ أفقدها القدرة على تقديم طرح شمولي عالمي، ومنعها من تفسير الظواهر التي طرأت في أقاليم أخرى، معتبراً أن محاولات فرض معيارية أوروبية لتحقيق الأمن الدولي أثبتت فشلها، ودعا إلى دراسة الإرث التاريخي لكل إقليم وفق ما يوائمه، وليس من خلال محاولة تعميم التجربة الأوروبية كقاعدة ارتكاز للنظام العالمي.

وجاءت كتابات بنجامين ميللر، ضمن محاولات بُذلت في العقود الماضية للإجابة على سؤال محوري هو: “ما الذي يجعل بعض الأقاليم آمنة وأقاليم أخرى غير آمنة؟”، حيث حاول في كتابه “الدول والأمم والقوى الكبرى” تقديم إجابة من خلال انتقاد النظريات الواقعية والليبرالية، والتي رأى أنها أخفقت في معالجة “المعضلة الأمنية الإقليمية”، وأكد على ضرورة التحرر من فكرة “عولمة” النموذج الغربي، والاهتمام بدلاً من ذلك بخصوصيات الأقاليم التي تندلع فيها الحروب نتيجة دوافع قومية، أو طموحات توسعية، أو نزاعات حدودية.

وقدم ميللر مقاربة جديدة لتفسير الحروب بين الدول النامية، معتبراً أنها تقع نتيجة عدة أسباب، منها: ظروف نشأة الدولة، ونمط النظام السياسي القائم في تلك الدول، وطبيعة التفاعلات بين النخب، وما يدور فيها من صراعات إيديولوجية وإثنية وقومية ومذهبية ونزعات انفصالية، مؤكداً على ضرورة تحليل خصائص كل إقليم بنفسه كخطوة أولى نحو تحقيق “السلام الإقليمي”.

واعتبر ميللر أن المشكلة الأساسية في معظم الأقاليم هي تقسيم “الأمة” إلى عدة دول، بدلاً من خضوعها لدولة موحدة، الأمر الذي أضعف تلك الدول، وأدى إلى توتر سلوك مواطنيها تجاه السلطات الحاكمة، وقلل من إمكانية إنشاء “هوية وطنية” يمكن التوافق عليها بين مختلف الفئات المجتمعية.

وفي محاولة للإجابة على السؤال نفسه؛ دعا محمد أيوب إلى فهم الظروف الخاصة بكل إقليم، مؤكداً أنه لا يمكن تطبيق معيارية موحدة في سائر الأقاليم، ومشدداً على ضرورة مراعاة الخصوصيات الإقليمية للتوصل إلى صيغة أمن جماعي تحقق ثلاثة أهداف، هي:

  • منع تدخل القوى الخارجية في شؤون دول الإقليم.
  • تمكين دول الإقليم من معالجة مشكلاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية وفق منظومة خاصة بها، والقضاء على مصادر التهديد.
  • التوصل إلى آلية مشتركة لمعالجة مصادر التوتر واحتوائها بحيث لا تتحول الخلافات إلى حروب.

ونبه إلى أن المهددات الداخلية في بعض الأقاليم “الهشة” أصبحت عابرة لحدود الدولة، ما يؤكد ضرورة تشييد البنى التحتية للدول بصورة سليمة، من خلال سياسات “بناء الدولة”، وتعزيز بناها المؤسسية، لحماية الأمن الدولي، وليس الإقليمي فحسب.

الهندسة الإقليمية للأمن

وأسهمت “مدرسة كوبنهاغن” النقدية في تعزيز الدراسات الإقليمية، حيث نشر كل من باري بوزان وأولي ويفر، دراسة بعنوان: “المناطق والقوى، هيكل الأمن الدولي” (2003)، استعرضا فيها أهم الاسهامات النظرية التي طورت مفهوم الأمن الإقليمي وطرحا مفهوم “مركب الأمن الإقليمي” كعامل ربط بين مجموعة من الدول التي يتعذر تحقيق أمن أي عضو فيه خارج النظام الإقليمي.

ويقوم الطرح الذي أسسه الباحثان على اعتبار أن الأمن الإقليمي هو “ظاهرة اعتمادية”، تستند إلى علاقة بين عدة أطراف، نتيجة إدراكها عدم قدرة أي منها على تحقيق الأمن في معزل عن الأطراف الأخرى في محيطها الإقليمي، وشكلت هذه النظرية مفهوم: “الاعتماد الأمني المتبادل”، الذي يقوم بناء على مستوى التهديد والخوف الذي تشعر به أطراف المركب الاقليمي بصورة مشتركة.

ويُطلق على هذه النظرية اسم “الأمن الإقليمي المعقد” (Regional Security Complex Theory)، وذلك نتيجة لاعتبارها أن الأمن هو بناء اجتماعي، وأن العلاقات بين الدول، وبين مختلف الجهات الفاعلة خارج إطار الدول، تعمل من خلال أنماط منتظمة على الصعيد الجغرافي، وبالتالي فإنه لا بد من وضعها في إطار إقليمي.

وعرّفت النظرية مجتمعات الأمن الإقليمي بأنها أنماط من التفاعل الأمني تتميز عن بعضها البعض من حيث مستوى التفاعل بين أعضاء المنظومة المتجاورة والمعزولة عن المجمعات الأخرى بحواجز طبيعية مثل المحيطات، والصحاري، والسلاسل الجبلية، وغيرها من العوامل الطبيعية التي تعمل كعوازل بين مراكز مجتمعية مختلفة.

ورأى بوزان وويفر أن القوى المتجاورة تترابط أمنياً بصورة مختلفة عن الأقاليم الأخرى بحيث: “يميل القرب المادي البسيط إلى توليد قدر أكبر من التفاعل الأمني بين الجيران أكثر من الدول الواقعة في مناطق مختلفة”، وعرفا “المُركّب الأمني” بأنه: “مجموعة من الدول تكون هواجسها وتصوراتها الرئيسية للأمن مترابطة إلى درجة أن مشاكل أمنها الوطني لا يمكن أن تحلل عقلانياً أو تُحل بطريقة منفصلة”.

وتَمثّل الهدف من استحداث هذا المصطلح في: تسهيل التحليل الأمني على المستوى الإقليمي، وذلك على اعتبار أن كل إقليم يمكنه أن يشكل وحدة تحليل مستقلة للتعامل مع القضايا العالمية، وذلك من خلال تبني سياسات الاعتماد الأمني المتبادل والمصالح المشتركة.

ويشمل “المركب الأمني”، أربعة مستويات للتحليل هي:

 

1

المســـتوى المحلي: المتمثل في الظروف الداخلية لكل دولة بالإقليم، مع التركيز على نقاط الضعف المتولدة بالداخل.

2

مستوى العلاقات بين الدول:  عبر تحديد الخصائص الإقليمية وملامح العلاقات بين الدول داخل الإقليم.

3

مستوى علاقات الإقليم مع الأحداث العالمية وتفاعله معها.

4

دور القوى العالمية في شؤون الإقليم، ومستوى تدخلاتها فيه.

مستويات المركب الأمني

وتتفق تلك النظرية مع “الليبرالية-المؤسسية” التي ترى أن وجود مؤسسات إقليمية تتولى تنظيم الشؤون الأمنية في منطقة جغرافية معينة ومحدودة مكانياً، سيؤدي إلى التعامل الإيجابي مع قضايا المنطقة ومعالجة مشكلاتها، ويدرأ عنها خطر الصراعات الدولية الكبرى، ويخفف العبء عن المنظمات الدولية.

ووفقاً لبوزان فإن إنشاء “مركب أمني” يتطلب القيام بعملية تكامل تدريجي، تتضمن تنمية النشاط الاقتصادي المشترك، وتعزيز الربط الاجتماعي والسياسي بين المكونات، وإثراء الهوية الإقليمية من خلال تمازج الثقافات، وإنشاء آليات دبلوماسية واتفاقيات تحقق التعاون بين دول الإقليم في إدارة المشاكل المشتركة وحماية وتعزيز دور الدولة.

إلا أن نظرية بوزان تعرضت للنقد من قبل بعض الواقعيين الذين رأوا خطأ افتراض أن الروابط بين الدول المتجاورة جغرافياً هي دائماً أقوى من تلك التي تقوم بين بعض هذه الدول ودول أخرى خارج المنطقة، وأنه من المبالغة الاعتقاد بأن المشكلات والقضايا الإقليمية كلها تعتبر ذات منشأ إقليمي محض.

الرؤية

شباب سوري واعٍ، يشارك في صنع القرار السياسي، ويسهم في صياغة مستقبله، وينافس في شتى ميادين التنمية، لتحقيق ما يتطلع إليه لرفعة وطنه وازدهار مجتمعه

الرسالة

مركز فكر إلكتروني يعمل على إدماج الشباب السوري في مجالات صنع القرار، واحتضان طاقاتهم الكامنة وإبداعاتهم الفكرية والبحثية، وتمكينهم من المساهمة الفاعلة في التنمية وبناء المجتمع، عبر التأسيس لثقافة التميز، وتحفيز المسؤولية، وترسيخ روح المبادرة، لدفعع مسيرة التقدم والازدهار

المشرف العام: د. بشير زين العابدين

وسائل التواصل الاجتماعي

جميع الحقوق محفوظة – شارك شباب © 2021