وأسهمت “مدرسة كوبنهاغن” النقدية في تعزيز الدراسات الإقليمية، حيث نشر كل من باري بوزان وأولي ويفر، دراسة بعنوان: “المناطق والقوى، هيكل الأمن الدولي” (2003)، استعرضا فيها أهم الاسهامات النظرية التي طورت مفهوم الأمن الإقليمي وطرحا مفهوم “مركب الأمن الإقليمي” كعامل ربط بين مجموعة من الدول التي يتعذر تحقيق أمن أي عضو فيه خارج النظام الإقليمي.
ويقوم الطرح الذي أسسه الباحثان على اعتبار أن الأمن الإقليمي هو “ظاهرة اعتمادية”، تستند إلى علاقة بين عدة أطراف، نتيجة إدراكها عدم قدرة أي منها على تحقيق الأمن في معزل عن الأطراف الأخرى في محيطها الإقليمي، وشكلت هذه النظرية مفهوم: “الاعتماد الأمني المتبادل”، الذي يقوم بناء على مستوى التهديد والخوف الذي تشعر به أطراف المركب الاقليمي بصورة مشتركة.
ويُطلق على هذه النظرية اسم “الأمن الإقليمي المعقد” (Regional Security Complex Theory)، وذلك نتيجة لاعتبارها أن الأمن هو بناء اجتماعي، وأن العلاقات بين الدول، وبين مختلف الجهات الفاعلة خارج إطار الدول، تعمل من خلال أنماط منتظمة على الصعيد الجغرافي، وبالتالي فإنه لا بد من وضعها في إطار إقليمي.
وعرّفت النظرية مجتمعات الأمن الإقليمي بأنها أنماط من التفاعل الأمني تتميز عن بعضها البعض من حيث مستوى التفاعل بين أعضاء المنظومة المتجاورة والمعزولة عن المجمعات الأخرى بحواجز طبيعية مثل المحيطات، والصحاري، والسلاسل الجبلية، وغيرها من العوامل الطبيعية التي تعمل كعوازل بين مراكز مجتمعية مختلفة.
ورأى بوزان وويفر أن القوى المتجاورة تترابط أمنياً بصورة مختلفة عن الأقاليم الأخرى بحيث: “يميل القرب المادي البسيط إلى توليد قدر أكبر من التفاعل الأمني بين الجيران أكثر من الدول الواقعة في مناطق مختلفة”، وعرفا “المُركّب الأمني” بأنه: “مجموعة من الدول تكون هواجسها وتصوراتها الرئيسية للأمن مترابطة إلى درجة أن مشاكل أمنها الوطني لا يمكن أن تحلل عقلانياً أو تُحل بطريقة منفصلة”.
وتَمثّل الهدف من استحداث هذا المصطلح في: تسهيل التحليل الأمني على المستوى الإقليمي، وذلك على اعتبار أن كل إقليم يمكنه أن يشكل وحدة تحليل مستقلة للتعامل مع القضايا العالمية، وذلك من خلال تبني سياسات الاعتماد الأمني المتبادل والمصالح المشتركة.
ويشمل “المركب الأمني”، أربعة مستويات للتحليل هي:
1 | المســـتوى المحلي: المتمثل في الظروف الداخلية لكل دولة بالإقليم، مع التركيز على نقاط الضعف المتولدة بالداخل. |
2 | مستوى العلاقات بين الدول: عبر تحديد الخصائص الإقليمية وملامح العلاقات بين الدول داخل الإقليم. |
3 | مستوى علاقات الإقليم مع الأحداث العالمية وتفاعله معها. |
4 | دور القوى العالمية في شؤون الإقليم، ومستوى تدخلاتها فيه. |
مستويات المركب الأمني
وتتفق تلك النظرية مع “الليبرالية-المؤسسية” التي ترى أن وجود مؤسسات إقليمية تتولى تنظيم الشؤون الأمنية في منطقة جغرافية معينة ومحدودة مكانياً، سيؤدي إلى التعامل الإيجابي مع قضايا المنطقة ومعالجة مشكلاتها، ويدرأ عنها خطر الصراعات الدولية الكبرى، ويخفف العبء عن المنظمات الدولية.
ووفقاً لبوزان فإن إنشاء “مركب أمني” يتطلب القيام بعملية تكامل تدريجي، تتضمن تنمية النشاط الاقتصادي المشترك، وتعزيز الربط الاجتماعي والسياسي بين المكونات، وإثراء الهوية الإقليمية من خلال تمازج الثقافات، وإنشاء آليات دبلوماسية واتفاقيات تحقق التعاون بين دول الإقليم في إدارة المشاكل المشتركة وحماية وتعزيز دور الدولة.
إلا أن نظرية بوزان تعرضت للنقد من قبل بعض الواقعيين الذين رأوا خطأ افتراض أن الروابط بين الدول المتجاورة جغرافياً هي دائماً أقوى من تلك التي تقوم بين بعض هذه الدول ودول أخرى خارج المنطقة، وأنه من المبالغة الاعتقاد بأن المشكلات والقضايا الإقليمية كلها تعتبر ذات منشأ إقليمي محض.