ملامح الانتقال السياسي في سوريا

تعرضت سوريا خلال السنوات الستة الماضية لعملية تدمير ممنهج إثر قيام النظام بشن عمليات عسكرية في مختلف المدن والبلدات السورية، واستهداف المواطنين بشتى أساليب القمع كالقصف الجوي والمدفعي وإلقاء البراميل المتفجرة، وسياسات الحصار والتجويع والتهجير القسري، واستدعاء القوى الخارجية الميلشيات الطائفية، لإذكاء المعركة ضد قوى الثورة والمعارضة مما أدى إلى تدمير البنى التحتية ومعاناة السوريين في أقسى ظاهرة تهجير شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
وتؤذن التحولات الأخيرة في المشهد الدولي عن توجهات لحسم الأزمة السورية، مما يفرض على النخب السورية أن تبادر إلى طرح رؤاها فيما يتعلق بعملية الانتقال السياسي، وإعادة بناء الدولة والمجتمع، بما يحقق تطلعات السوريين إلى الانعتاق من الدكتاتورية، وصياغة عقد اجتماعي جديد، وبناء نظام سياسي يحمي الحريات ويصون الحقوق الفردية، ويقوم على مبادئ الحرية والمساواة والمواطنة والعدالة من خلال تمثيل كافة مكونات وفئات الشعب دون تمييز أو إقصاء ديني أو مذهبي أو طائفي أو عرقي أو طبقي، وصيانة حقوقهم المشروعة ضمن إطار الهوية الوطنية الجامعة والوطن الواحد.
ويتعين في هذه المرحلة الحاسمة مواجهة العديد من التحديات التي تتضمن: إعادة الإعمار، واستعادة البنية التحتية، وتوفير الخدمات الأساسية، وتنفيذ القرارات الدولية بشأن عودة جميع السوريين إلى وطنهم ومناطق سكناهم الأصلية، وإلغاء القرارات المتخذة بعد مارس من عام ٢٠١١ وما ترتب عليها من عمليات الاستملاك والتغيير الديمغرافي والترحيل الفردي والجماعي، وإبطال تدابير وقرارات مصادرة الممتلكات والتهجير القسري، ووضع أسس سليمة لعملية انتقال سياسي يفضي إلى مرحلة نهائية من الاستقرار السياسي والاقتصادي والمجتمعي من خلال استحداث إصلاحات في مؤسسة القضاء تتضمن حل المحاكم العسكرية والاستثنائية ومحاكم الارهاب وإلغاء أحكامها، وإلغاء جميع التشريعات القمعية المتناقضة مع قرارات الأمم المتحدة، وإصدار عفو عام وشامل عن الذين حوكموا غيابياً، والتمهيد لانتخابات بلدية ونيابية ورئاسية، وإصدار التشريعات والمراسيم المنظمة لتلك الانتخابات.
ووفقاً لوثيقة نشرتها الهيئة العليا للمفاوضات بإجماع مكوناتها في شهر سبتمبر 2016؛ فإن عملية الانتقال السياسي تقوم على بيان جنيف لعام 2012، والملحق الثاني من القرار رقم 2118 لعام 2013 والمستند إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 262/67 لعام 2013، ويجب أن ترتكز على التنفيذ الفوري وغير المشروط لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ولا سيما القرار رقم 2254 لعام 2015، الذي تمت الدعوة لبدء العملية السياسية على أساسه، مع وجوب التركيز على التنفيذ الكامل للفقرات أرقام 12و13و14 من هذا القرار باعتبارها التزامات قانونية يستوجب على المجتمع الدولي تنفيذها تحضيراً لانطلاق العملية السياسية، بالإضافة إلى الفقرات أرقام 15 و16و17 من القرار رقم 2118 لعام 2013.
وتجسد عملية الانتقال هذه حلاً سياسياً عادلاً يلبي مطالب الشعب السوري ويحمي دولته ومجتمعه ويكفل حريات وحقوق جميع مكوناته وفق مجموعة من المبادئ الأساسية التي تتلخص فيما يلي:
1-     سوريا جزء لا يتجزأ من الوطن العربي، واللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، وتمثل الثقافة العربية الإسلامية معيناً خصباً للإنتاج الفكري والعلاقات الاجتماعية بين السوريين على اختلاف انتماءاتهم الإثنية ومعتقداتهم الدينية حيث تنتمي أكثرية السوريين إلى العروبة وتدين بالإسلام ورسالته السمحاء التي تتميز بالوسطية والاعتدال.
2-     سوريا دولة مستقلة ذات سيادة، ولا يجوز اقتطاع أي جزء من أراضيها أو التخلي عنه، كما لا يجوز التخلي عن حقها في استعادة الأجزاء المحتلة منها بكافة الطرق المشروعة التي كفلها ميثاق الأمم المتحدة، وتلتزم بالعهود والمواثيق الدولية ومقتضيات عضويتها في الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي وهيئة الأمم المتحدة والمنظمات المتفرعة عنها، وتسعى للمساهمة في الجهود الدولية لإقامة نظام دولي خالٍ من النزاعات وقائم على التعاون وتبادل المصالح وتقاسم المسؤولية في مواجهة التحديات والأخطار التي تهدد الأمن والسلم العالميين.
3-     الشعب السوري هو مصدر السلطات، يمارسها من خلال انتخابات دورية نزيهة ينظّمها القانون، ويقوم نظامه السياسي على أساس الممارسة الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة، والمواطنة التي تساوي بين جميع السوريين في الحقوق والواجبات من دون تمييز على أساس اللون أو الجنس أو اللغة أو القومية أو الرأي أو الدين أو المذهب، ويضمن التمثيل المتساوي لكافة المواطنين في مختلف المؤسسات التي يتم تشكيلها.
4-     يقوم نظام الحكم على مبادئ الفصل بين السلطات، واستقلال القضاء وضمان الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين جميعاً دون تمييز، وحماية الحق في التعبير السياسي وحرية الإعلام وحق الوصول للمعلومات.
5-     يُؤَسَسُ العقد الاجتماعي في النظام الجديد على مبدأ المواطنة وتمثيل كافة مكونات الشعب السوري ، ويرتكز على صيانة الحريات العامة كحرية الاعتقاد وحرية الممارسة السياسية، والمساواة والعدالة وتكافؤ الفرص.
6-     اعتبار القضية الكردية قضية وطنية سورية، والعمل على ضمان حقوقهم القومية واللغوية والثقافية دستورياً.
7-     تلتزم الدولة السورية بالمعاهدات والمواثيق والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وبخاصة تلك التي هي طرف فيها، كما تلتزم برعاية الحقوق الثقافية والدينية المشروعة لكل مكوناتها في إطار وحدة الدولة والشعب.
8-     تعتمدالدولة السورية مبدأ اللامركزية الإدارية في إدارة شؤون البلاد بما يمنح أهالي كل محافظة ومنطقة دوراً في إدارة شؤونهم المحلية: الاقتصادية والمجتمعية والحياتية، ولا يؤثر سلباً على وحدة البلاد.
9-     تعمل الدولة على تحقيق تنمية اقتصادية وبشرية مستدامة ومتوازنة، في إطار تكافؤ الفرص، والتوزيع العادل للدخل، ومكافحة البطالة والفقر، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وحماية البيئة.
10- تتمتع المرأة بكامل حقوقها العامة والفردية، وتضمن الدولة إسهامها الفاعل والمكفول دستورياً في جميع المؤسسات الرسمية وهيئات ومواقع صنع القرار بنسبة لا تقل عن 30 بالمائة.
11- تضمن المبادئ الأساسية لاتفاق المرحلة الانتقالية المشاركة الشعبية في صياغة السياسات الوطنية، واستحداث الآليات اللازمة لتحقيق ذلك، وتطبيق قواعد اتخاذ القرار بالتوافق فيما يتعلق بالإجراءات التشريعية والتنفيذية التي تؤثر على مكونات بعينها في المجتمع السوري، وفي حال تعذر ذلك يُتخذ القرار بأغلبية الثلثين.
12- تحقيق السلم الأهلي والمصالحة الوطنية، وردع النزعات الثأرية بواسطة ضوابط دستورية وقانونية تتولى تطبيقها مؤسسات تعتمد آليات واضحة وفاعلة للمساءلة والمحاسبة وتطبيق العدالة الانتقالية لتحقيق الإنصاف ورد المظالم إلى أهلها.
13- منع كافة أشكال التدخل الخارجي، ونبذ سياسات التبعية والانحياز التي رسخها النظام، وإخراج كافة المقاتلين غير السوريين من ميليشيات طائفية وجماعات مسلحة ومرتزقة وقوات عسكرية أو شبه عسكرية تابعة لدول أجنبية من كافة الأراضي السورية.
14- تتمثل مهمة الجيش والقوات المسلحة في الدفاع عن الوطن وحماية أمنه واستقلاله وسلامة أراضيه، ويخضع في ذلك لقرارات الحكومة، ويُمنع على أفراد الجيش ممارسة النشاط السياسي أو الانتماء لأحزاب وتيارات سياسية ماداموا في الخدمة.
15- التصدي للإرهاب والقضاء عليه، سواء كان إرهاب الدولة الذي مارسه النظام، أو إرهاب الأفراد والجماعات والتنظيمات، وتعزيز الجهود الدولية في محاربة الإرهاب، والقضاء على المرتكزات الفكرية والسياسية والتنظيمية التي تنتجه كالتطرف والطائفية والاستبداد السياسي والفساد.
أما من الناحية الإجرائية فترى الوثيقة أن عملية الانتقال السياسي تنطلق من خلال إعلان وقف شامل ودائم لإطلاق النار، وتشكيل هيئة حكم انتقالي تتمتع بصلاحيات كاملة عقب مغادرة بشار الأسد ومجموعته التي تورطت بانتهاك حقوق الشعب السوري، وإصدار إعلان دستوري مؤقت يتم تطبيقه على امتداد المرحلة الانتقالية، ومن ثم اتخاذ الإجراءات التالية:
–          تشكيل حكومة تصريف أعمال
–          إنشاء مجلس عسكري مشترك
–          تشكيل محكمة دستورية عليا
–          تشكيل هيئة لإعادة الإعمار
–          تشكيل هيئة للمصالحة الوطنية
–          عقد مؤتمر وطني جامع
–          إعادة هيكلة القطاع الأمني
–          إعادة اللاجئين والنازحين والمبعدين والمفصولين تعسفياً من أعمالهم
–          تأسيس نظام إدارة محلية يقوم على مبدأ اللامركزية الإدارية
–          ضمان خروج سائر القوات الأجنبية من البلاد.
–          التصدي للإرهاب، سواء كان إرهاب الدولة السابقة، أو إرهاب الجماعات المتشددة.

كما يتعين العمل على تأسيس نظام سياسي يقوم على مجموعة من المبادئ الأساسية، من أبرزها:

سيادة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها، والدولة متعددة الأحزاب المبنية على الحرية والممارسة الديمقراطية والشمول والتمثيل والمواطنة، وسيادة القانون وحقوق الإنسان والمساءلة، واستحداث آليات فاعلة لاحترام حقوق الإنسان السوري وحفظ كرامته وضمان حقه في المشاركة الكاملة في العملية السياسية، وإطلاق حوار وطني شامل لا يستثني أحداً، بحيث تُفضي المرحلة الانتقالية إلى “مرحلة نهائية” عبر اتخاذ سلسلة إجراءات تتضمن:
–          تطبيق مخرجات الحوار الوطني والمراجعة الدستورية
–          إجراء انتخابات محلية وتشريعية ورئاسية
–          إجراء استفتاء على دستور جديد يقوم على مبدأ المواطنة، وينص على: فصل السلطات، واستقلال القضاء، وحرية الاعلام، والحياد السياسي للجيش والقوات المسلحة وخضوعها للحكومة الشرعية المدعومة بأغلبية برلمانية.
–          إنشاء منظومة اقتصادية تراعي العدالة الاجتماعية ويستفيد منها جميع السوريين دون أية مفاضلة أو تمييز.

الرؤية

شباب سوري واعٍ، يشارك في صنع القرار السياسي، ويسهم في صياغة مستقبله، وينافس في شتى ميادين التنمية، لتحقيق ما يتطلع إليه لرفعة وطنه وازدهار مجتمعه

الرسالة

مركز فكر إلكتروني يعمل على إدماج الشباب السوري في مجالات صنع القرار، واحتضان طاقاتهم الكامنة وإبداعاتهم الفكرية والبحثية، وتمكينهم من المساهمة الفاعلة في التنمية وبناء المجتمع، عبر التأسيس لثقافة التميز، وتحفيز المسؤولية، وترسيخ روح المبادرة، لدفعع مسيرة التقدم والازدهار

المشرف العام: د. بشير زين العابدين

وسائل التواصل الاجتماعي

جميع الحقوق محفوظة – شارك شباب © 2021