يعرّف الدستور على أنه مجموعة المبادئ المنظمة لسلطات الدولة، والمبينة لحقوق الحكام والمحكومين فيها، والأصول الرئيسية التي تنظم العلاقات بين مختلف سلطاتها العامة.
وبناء على ذلك فالدستور هو الإطار الذي تعمل الدولة بمقتضاه في مختلف الأمور المرتبطة بالشؤون الداخلية والخارجية، بما في ذلك نظام الحكم، وشكل الحكومة، وتنظيم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بين السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية) وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات والضمانات التي تتوفر لها من قبل السلطة.
ويتم إقرار الدستور بإحدى صيغتين:
– جمعية تأسيسية: انتخابها من قبل الشعب ويخولونهم بمهمة صياغة الدستور نيابة عنهم.
– استفتاء دستوري: حيث تتم صياغة الدستور من قبل جمعية نيابية منتخبة من الشعب أو بواسطة لجنة حكومية أو بواسطة الحاكم نفسه، ثم يعرض الدستور على الشعب في استفتاء عام ولا يصبح الدستور نافذاً إلا بعد موافقة الشعب عليه.
وهناك أنواع مختلفة من الدستور، منها: المدون، وغير المدون، ومنها الدساتير الجامدة والدساتير المرنة، ومنها الدساتير المطولة والدساتير المختصرة، وكذلك الدساتير المؤقتة والدساتير الدائمة، ويقع الاختلاف بين هذه الدساتير بناء على تباين تجارب الأمم والنظام الذي يتوافق الشعب عليه.
أما من حيث الموضوع؛ فتتضمن الدساتير مجموعة القواعد القانونية التي تنظم النظام السياسي في الدولة وتحدد شكله، ونمط الحكم فيه، وطبيعة النظام السياسي، وتوزيع الاختصاصات بين السلطات، وتنظيم طرق الوصول الى الحكم، حيث تحدد الدساتير النظام الاقتصادي المطبق، والحريات العامة التي يتمتع بها المواطنون، كما يتناول بعضها وضع الدولة بالنسبة للدين، وتحدد بعضها دين الدولة، في حين تميّز دساتير أخرى بين الدين والدولة.
بالنسبة للحالة السوري في مرحلة الثورة؛ فإن أبرز ملامح الانتقال السياسي هي صياغة دستور جديد للبلاد بعد أن فقد نظام البعث شرعيته وقدرته على الاستمرار في الحكم.
وتتحدث مصادر المعارضة عن ضرورة القيام بهذه المهمة من خلال مرحلة انتقالية ترتكز على إعلان دستوري يتم إقراره في المرحلة التفاوضية.
والإعلان الدستوري هو مجموعة من القوانين التي تطبق في حال سقوط الدستور، وهو عبارة عن دستور مختصر مكون من عديد من المواد يسمح للسلطة الحاكمة تولي شؤون البلاد بصورة قانونيةة وإصدار قوانين تسهل الحياة في البلد حتى يتم وضع دستور جديد.
وتضمنت رؤية الهيئة العليا للمفاوضات مادة وفيرة حول أهم ملامح الإعلان الدستوري، والتي تتضمن التأكيد على أن سوريا جزء لا يتجزأ من الوطن العربي، واللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، وتمثل الثقافة العربية الإسلامية معيناً خصباً للإنتاج الفكري والعلاقات الاجتماعية بين السوريين، وأنها دولة مستقلة ذات سيادة، لا يجوز اقتطاع أي جزء من أراضيها أو التخلي عنه، وأن الشعب السوري هو مصدر السلطات، يمارسها من خلال انتخابات دورية نزيهة ينظّمها القانون، ويقوم نظامه السياسي على أساس الممارسة الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة، والمواطنة التي تساوي بين جميع السوريين في الحقوق والواجبات من دون تمييز على أساس اللون أو الجنس أو اللغة أو القومية أو الرأي أو الدين أو المذهب، ويضمن التمثيل المتساوي لكافة المواطنين في مختلف المؤسسات التي يتم تشكيلها. بالإضافة إلى التأكيد على أن نظام الحكم يقوم على مبادئ الفصل بين السلطات، واستقلال القضاء وضمان الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين جميعاً دون تمييز، وحماية الحق في التعبير السياسي وحرية الإعلام وحق الوصول للمعلومات، ويقترح اعتماد الدولة السورية مبدأ اللامركزية الإدارية في إدارة شؤون البلاد بما يمنح أهالي كل محافظة ومنطقة دوراً في إدارة شؤونهم المحلية: الاقتصادية والمجتمعية والحياتية، ولا يؤثر سلباً على وحدة البلاد.
واقترحت وثيقة الهيئة أن يتم العمل بالإعلان الدستوري فور الاتفاق على البدء بالمرحلة الانتقالية التي تمتد لفترة سنة ونصف يتم العمل من خلالها على صياغة دستورٍ جديدٍ من قبل مؤتمر وطني يتكون من أشخاص يمثلون مختلف مكونات الشعب السوري وقوى المجتمع المدني ومنظماته إضافة إلى شخصيات دينية وسياسية وثقافية ونقابية وفكرية لها حضور على الصعيد الوطني، وتمثيل السوريين في المهجر والشتات، ويقوم هذا المؤتمر بتشكيل لجنة لصياغة مسودة دستور جديد للبلاد بقرار من هيئة الحكم الانتقالي.
وبعد إنجاز هذه المهمة، تقترح رؤية الهيئة أن تؤذن نهاية المرحلة الانتقالية بتطبيق مخرجات الحوار الوطني والمراجعة الدستورية، وإجراء انتخابات محلية وتشريعية ورئاسية تحت إشراف الأمم المتحدة ودعمها الفني، وأن تبقى المبادئ الأساسية المحددة في الاتفاق المؤقت سارية المفعول بوصفها جزءاً من الدستور الجديد للبلاد، والذي يقوم على مبدأ المواطنة، وينص على: فصل السلطات، واستقلال القضاء، وحرية الاعلام، والحياد السياسي للجيش والقوات المسلحة وخضوعها للحكومة الشرعية المدعومة بأغلبية برلمانية، وإنشاء منظومة اقتصادية تراعي العدالة الاجتماعية ويستفيد منها جميع السوريين دون أي مفاضلة أو تمييز.
وعلى الصعيد نفسه؛ حاولت بعض القوى الخارجية تمرير صيغ مقترحة لدستور سوري جديد، لكن تلك المحاولات قوبلت برفض من قبل المعارضة والنظام على حد سواء، كما تبذل الأمم المتحدة من خلال مبعوثها للشأن السوري جهوداً لجمع مختلف الأطراف للتوصل إلى اتفاق حول صياغة دستور للبلاد.