في المراحل المبكرة لظهورها؛ كانت الدراسات الأمنية تُصنف ضمن فروع مجال “العلاقات الدولية”، إلا أن تنامي حقل الدراسات الأمنية منذ ثمانينات القرن الماضي دفع بظهور جيل جديد من الباحثين الذين وسعوا مجالات الدراسات الأمنية لتشمل عدداً أكبر من التخصصات، بما في ذلك: القانون الدولي، والعلوم السياسية، والسياسات العامة، والجغرافيا، والجيوبوليتكا، والعلوم العسكرية، والدبلوماسية، والاستخبارات، بالإضافة إلى إستراتيجيات تطوير الديمقراطية، والتعاون متعدد الأطراف، وسياسات نزع السلاح.
وفي حقبة التسعينيات؛ خضعت الدراسات الأمنية لمراجعة في أسسها النظرية، حيث رأى كثير من الباحثين أن النظريات التقليدية لم تعد قادرة على مواكبة التحولات الدولية، وأنه من الضروري إدخال آليات تطبيقية في الأنظمة والهياكل والعمليات، وتوسيع مفاهيم الأمن لتشمل الأمن: الإنساني، والفردي، والاجتماعي، والدولي، والاقتصادي، وغيرها من المجالات.
وجاء ذلك التوسع على خلفية سقوط الاتحاد السوفيتي، وانتهاء الصراع بين الكتلتين الشيوعية والغربية الرأسمالية، وما نتج عن ذلك من تطورات أبرزها:
– تنامي اقتصاد السوق والانفتاح نحو الخارج.
– تزايد مشاكل اللجوء والهجرة غير الشرعية.
– صعود التهديدات العابرة للدول، كتفشي الأمراض، والجريمة الدولية، ومهددات البيئة، والإرهاب الدولي.
– التحولات القِيَميَة، المتمثلة في بروز معطيات مفاهيمية جديدة للأمن كنظرية السلام الديمقراطي، وجدليتي “نهاية التاريخ”، و”صراع الحضارات”.
– تفشي مظاهر العولمة.
– تشكل تكتلات اقتصادية إقليمية كبرى مثل “الاتحاد الأوروبي” و”آسيان”، وغيرها من الكيانات الإقليمية.
– تعرض العديد من الدول الهشة لمخاطر التفتت من الداخل نتيجة الصراعات الإثنية والدينية والمذهبية.
– اتساع رقعة المهددات الأمنية التي باتت عابرة للحدود القومية، ما أضعف قدرة الدول على التعامل معها منفردة، بحيث أصبحت المشكلات الداخلية في بعض الدول تمثل خطراً على الأمن الدولي، وخاصة منها: الحروب الأهلية، والفقر، والبطالة، والمرض، وانتهاكات حقوق الإنسان.
وبناء على تلك التطورات، فقد توسع نطاق الدراسات الأمنية ليشمل تصنيفات جديدة أبرزها:
1 | الأمن العسكري | استشعار الخطر المسلح وتنمية القدرات الدفاعية وقراءة مستقبلية لنوايا الدول الأخرى. |
2 | الأمن السياسي | تحقيق الاستقرار السياسي للدولة، والمحافظة على شرعيتها وحماية سيادتها واستقلالها |
3 | الأمن الاقتصادي | الحصول على الموارد المالية اللازمة، وحماية الموارد والثروات، والعمل على تنميتها. |
4 | الأمن الاجتماعي | تعزيز شعور شتى فئات المجتمع بالأمان عبر قبول الطرف الاخر واحترام العادات والتقاليد لمختلف المكونات بغض النظر عن الإثنية أو العرق أو الدين أو المذهب او الهوية. |
5 | الأمن الإنساني | تحقيق أمن الفرد على المستوى الوطني والدولي. |
أبرز تصنيفات الدراسات الأمنية
ونظراً لعجز الأطروحات الكلاسيكية عن استيعاب تلك التحولات، والاستمرار في اتخاذ الدولة مرجعية لها في صياغة النظريات الأمنية وتطبيقاتها؛ فقد ظهرت نظريات حديثة تتخذ من “الفرد” وحدة جديدة للتحليل عوضاً عن الدولة، ومن أبرزها: “الواقعية الجديدة” (neo-realism)، و”الليبرالية الجديدة” (neo-liberalism)، و”البنائية الحديثة” (modern constructivism).
واندفع الباحثون في تلك المدارس نحو توسيع نطاق الدراسات الأمنية لتشمل قطاعات: التكنولوجيا، والتعليم، والثقافة، والهوية، فيما تراجع الاهتمام بالدول كوحدات مستقلة، وبرز مقابلها الاهتمام بأدوار الجماعات والأفراد داخل الدول، كوحدات جديدة للتحليل الأمني.
وبعدما كانت مواضيع الأمن القومي هي التي تحتل الصدارة؛ أصبحت الدراسات الأمنية تولي اهتماماً أكبر لمواضيع ذات طابع عالمي كالأمن الإنساني، وما يتعلق به من قضايا: البيئة، والفقر، والتلوث، والاحتباس الحراري، وغيرها من المخاطر التي شكلت تهديداً للبشرية بأكملها.