على الرغم من الصعوبات التي تواجهها المنطقة العربية في سبيل تحقيق التكامل الأمني؛ إلا أنها تتمتع بخاصية البعد القومي، والتي تمنحها اعتباراً معنوياً ونفسياً يمكن أن تكون لها نتائج مهمة على صعيد الهوية المشتركة، باعتبار أن الوطن العربي يشكل وحدة قومية-سياسية، وهو الأمر الذي لم تنجح جامعة الدول العربية في تحقيقه منذ قيامها عام 1945.
وكان من المفترض أن تشكل الجامعة العربية الإطار المؤسسي لنظام الأمن الإقليمي العربي، وأن تضطلع بمهمة: “توثيق الصلات بين الدول الأعضاء، وتنسيق خططها السياسية تحقيقاً للتعاون فيما بينها، وصيانة استقلالها وسيادتها، والحرص على مصالحها المشتركة على كافة الأصعدة والمستويات، ومنها تحقيق الأمن الإقليمي، بما يوفر الاستقرار الداخلي لكل دولة ويؤمن لها الحماية ضد الاختراقات المحتملة للأمن القومي العربي”.
إلا إنها لم تنجز أياً من الأهداف الأمنية التي وجدت لأجل تحقيقها، حيث تنامت الصراعات المسلحة، وازدادت التدخلات الخارجية، في ظل غياب كامل لسياسات التكامل الاقتصادي، وعدم القدرة على القيام بدور فاعل في القضايا العربية الكبرى.
ويمكن ملاحظة أبرز مكامن إخفاق الجامعة فيما يلي:
1- فقدان الإرادة السياسية الجماعية، ما جعل نسبة تنفيذ قرارات مجلس الجامعة هزيلة، وغير مسندة إلى توازن قوى فاعلة تحميها وتدخلها في حيز التنفيذ.
2- عجز الجامعة عن القيام بأي دور إيجابي في الحروب التي وقعت بين العراق وإيران، والعراق والكويت، والغزو الأمريكي للعراق، وفي القضية الفلسطينية، وفي تقسيم السودان، وحروب الصومال وموريتانيا والمغرب العربي، وغيرها من النزاعات التي كشفت وهن الأمن القومي العربي.
3- تصاعد الاصطفاف العربي، على محاور متناقضة ومتصادمة، وخاصة فيما يتعلق بالموقف من إيران وبالصراع العربي الإسرائيلي، ووصول الخلافات العربية إلى حد عدم المشاركة في القمم، أو خفض مستوى التمثيل فيها.
وفي ظل تعالي الأصوات المطالبة بتعديل ميثاق الجامعة، وتصحيح مسار العمل في مؤسساتها، وإنشاء آليات تساعدها على القيام بالأدوار المنوطة بها؛ تبدو المشكلة أكبر من مسألة إصلاح المنظمة العربية المترهلة، حيث تعاني المنظمات شبه الإقليمية من الحالة ذاتها، بدءاً بمجلس التعاون لدول الخليج العربي (1971)، ومجلس التعاون العربي (1989)، واتحاد المغرب العربي (1989)، وغيرها من المنظمات الفرعية التي تعاني من التصدع نتيجة تنامي الخلافات بين الدول الأعضاء حول الموقف من إيران، ومن إسرائيل، ومن تركيا، ومن سياسات تلك الدول ذات الطابع التوسعي في المنطقة.
جدير بالذكر أن مشكلة غياب الانسجام بين الدول الأعضاء يعود إلى مراحل مبكرة من تشكل الدولة العربية، حيث عصفت سياسة المحاور بالأمن العربي خلال العقود السبعة الماضية، بما في ذلك: التنافس بين الهاشميين والسعوديين (1930-1951)، وما أعقبه من احتدام “الحرب العربية الباردة” بين الجمهوريات بقيادة مصر التي اعتنقت الفكر القومي والاشتراكية، وبين الملكيات التقليدية، بقيادة السعودية (1952-1970)، ومن ثم الانقسام الواقع اليوم بين “محور الممانعة” المؤيد لإيران، ومحور “الاتفاقية الإبراهيمية” الذي ينزع إلى التعاون مع إسرائيل.
ولا يُتوقع أن تنجح دول المنطقة في تطوير سياسة أمن إقليمية ناجعة خلال الفترة المقبلة، خاصة وأن الشروط المطلوبة لتأسيس “المركب الأمني”، تكاد تكون غير متوفرة، في ظل العوائق التالية:
1 | النزاعات الحدودية (Boundary Disputes) |
2 | البيئة الفوضوية للصراع (Anarchy Structure) |
3 | الاستقطاب (Polarity) |
عوائق تشكيل المركب الأمني
وللوصول إلى مستوى بناء نظام إقليمي، لا بد من بذل جهود أكبر في مجالات: تنمية العلاقات الاقتصادية، والربط الاجتماعي والسياسي، وتعزيز الهوية الإقليمية، المتمثلة في الإدراك المشترك بالانتماء لجماعة معينة، وهي أمور تبدو بعيدة المنال في ظل الخلافات المستحكمة، فضلاً عن تنامي النزاعات الإقليمية بصورة غير مسبوقة، حيث تحدث تقرير نشره “مرصد الصراعات العالمية” التابع لمجلس العلاقات الخارجية” بالولايات المتحدة (أكتوبر 2022) عن احتدام المخاطر المحيطة بالدول العربية وما حولها، مؤكداً أن 6 من أبرز 10 صراعات بالعالم توجد في منطقة الشرق الأوسط وحولها، فيما قدّر تقرير أعدته “مجموعة الأزمات الدولية”، أن أبرز الصراعات في العالم خلال العام 2022، تقع في منطقة الشرق الأوسط وتخومها، وعلى رأسها الصراع العربي-الإسرائيلي، وحرب اليمن، والصراعات في: أفغانستان، وإثيوبيا، وإيران، بالإضافة إلى انتشار جماعات التطرف والغلو في دول الساحل والصحراء الإفريقية.