تلقي تلك الشهادات الضوء على معاناة الشعوب العربية، نتيجة الانفصام الكامل بين أمن السلطة وأمن المجتمع، حيث تحصن النخب الحاكمة نفسها بإثارة الرعب في المجتمع لمنع قيام أية معارضة ضدها محلياً، وتعمد إلى زيادة الإنفاق العسكري لحماية نفسها من جيرانها، دون الالتفات إلى مخاطر إهمال التنمية الاقتصادية على الأمن الوطني.
ونتج عن ذلك الإهمال تدهور قطاعات الزراعة والتصنيع، وتنامي اعتماد الدول العربية على الاستيراد، ما أفقدها عنصر “الأمن الغذائي”، وجعلها أكثر تبعية وارتهاناً للخارج.
وتفشت في هذه الأثناء مظاهر التدخل الخارجي في شؤون الدول، عبر الدعم الذي تتلقاه بعض المجموعات الإثنية والطائفية، ما أدى إلى: فرض التقسيم في جنوب السودان، وتأسيس حكم ذاتي في مناطق الأكراد بالعراق وسوريا، وتوظيف الخلافات العشائرية في ليبيا للهيمنة على موارد الطاقة، وإذكاء النزاعات المناطقية في اليمن، وبذل التعهدات لبعض الجماعات الشيعية بإنشاء كيان مستقل لهم على أنقاض بعض الجمهوريات المتداعية.
وبالإضافة إلى نشر القواعد العسكرية؛ توظف بعض القوى الغربية هيمنتها الاقتصادية ونفوذها في الفضاء الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز نفوذها ونشر منظومة من القيم التي تحط من قيمة الثقافات المحلية.
وعلى الرغم من مرور نحو سبعة عقود على تأسيسها؛ إلا أن الجمهوريات العربية لا تزال عاجزة عن مواكبة التطورات الأمنية، حيث تستمر النخب الحاكمة في التعامل مع مفهوم “الأمن” عبر ثنائية “العسكرة” و”القمع”، ولا يزال ذلك المفهوم مهيمناً في الدوائر الضيقة من النخب الحاكمة التي أمعنت في تعزيز نموذجي “الدولة العسكرية” (Garrison State) و”الدولة الأمنية” (Security state) تحت ذريعة حفظ الاستقرار وحماية أمن الدولة.
ونزعت تلك الدول نحو تقديم أطروحات توحي بحالات “الاستثنائية” و”الطوارئ” التي تتعـارض مع أمن وحرية الجماعات والأفراد، فيما استمر هاجس البقاء السياسي مهيمناً لدى النخب الحاكمة، بحيث ارتبط أمن الدولة بصيانة مصالح تلك النخب، وليس بتحقيق أمن الدولة، الأمر الذي يفسر تنامي أجهزة الأمن والاستخبارات، والشرطة، والدرك، وغيرها من قوات حماية السلطة.
– ففي مصر؛ تراوحت تقديرات قوى الأمن ما بين 1,5 و1,7 مليون عنصر عام 2012، وهو ما يمثّل حوالي خمس العاملين في الدولة (باستثناء القوات المسلّحة).
– وفي تونس ارتفع عدد عناصر قوى الأمن من نحو 49 ألفاً عام 2010، إلى 97,797 عنصر عام 2015، أي نحو 12 بالمئة من مجموع موظفي الدولة.
– وفي اليمن، بلغ عدد الأفراد المسجّلين في قطاع الأمن والقوات المسلّحة مجتمعَين حوالي 500 ألف، منهم نحو 100 ألف يتبعون لوزارة الداخلية، فيما قُدّر عدد عناصر جهاز الأمن السياسي الذي يتبع رئيس الجمهورية، ما بين 120 و150 ألف عنصر.
– وارتفع حجم قطاع الأمن الجزائري إلى نحو 590 ألف عنصر عام 2014، ما يمثل نحو 29 بالمئة من إجمالي العاملين في الدولة.
– وبلغ عدد أفراد قطاع الأمن التابع للسلطة الفلسطينية نحو 90 ألفاً في ذروته عام 2007، فيما تراوح تقدير عدد المجندين والمسؤولين الإضافيين لدى حكومة حماس بغزة بين 17 و20 ألفاً في قطاعها الأمني وربما عدد مماثل في جناحها المسلّح.
– وارتفع عدد العاملين في قطاع الأمن بالعراق إلى نحو 530 ألفاً بحلول العام 2013.
وتبين تلك الأرقام مستوى التغول الأمني في الجمهوريات العربية الهشة التي قامت على اعتبار أن التهديد الفعلي لا يأتي من الخارج، بل يكمن في البيئة الداخلية، المتمثلة في حركات المعارضة السياسية أو الشعبية، وخشية النخب الحاكمة من محاولة قيام تلك الحركات بتنظيم الثورات، أو العـصيان المدني، أو التمرد على الحكم.
وبات من الواضح وجود علاقة وطيدة بين تنامي مظاهر الدولة الفاشلة مع تنامي مستويات العنف الذي تمارسه السلطات بحجة حمايـة الأمـن القومي، وتورطها في ارتكاب الجرائم الأمنية والـسياسية، وتبني نمـوذج الدولـة البوليـسية، والتعسف في استعمال السلطة، وتبني سياسات التمييز.
الأمن الوطني | الأمن السياسي | المخابرات العامة | الأمن العسكري | المخابرات الجوية | أمن الدولة | الحرس الوطني | الحرس الجمهوري | المباحث الجنائية | المعلومات |
التحقيق | مكافحة الإرهاب | مكافحة التجسس | الأمن الداخلي | الأمن الخارجي | الفرع الفني | الفرع الاقتصادي | المداهمة والاقتحام | الاتصالات | الدوريات |
فرع اللاسلكي | أمن المنشآت | الاستخبارات التقنية | مخابرات الجبهة | فروع المناطق | ميلشيات الأفرع | فرع فلسطين | الفضاء الإلكتروني | | |
نموذج “الدولة الأمنية”، تغول أجهزة الأمن وفروعها في بعض الدول العربية