الأمن في منظور المدرسة البنائية

نحو عالم متعدد الأقطاب

في 30 أغسطس 2022؛ أعلن المستشفى المركزي التابع للرئاسة الروسية وفاة ميخائيل غورباتشوف، عقب مرور 31 عاماً على استقالته كآخر رئيس للاتحاد السوفيتي عام 1991.

سرعان ما نعى قادة الغرب فقيد روسيا، مشيدين بدوره في إنهاء الحرب الباردة، حيث اعتبر الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أن غورباتشوف كان “قائداً نادراً ساهم في جعل العالم أكثر أماناً”، مؤكداً أن الإصلاحات التي قام بها خلال قيادته الاتحاد السوفياتي كانت: “تصرفات قائد نادر لديه من الخيال ما يكفي ليرى أن مستقبلاً مختلفاً هو أمر ممكن، ومن الشجاعة ما يكفي للمخاطرة بمسيرته كلها لتحقيق ذلك”.

ونوه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، بوريس جونسون بما وصفه: “الشجاعة والنزاهة” اللتين تمتع بهما آخر زعيم للاتحاد السوفياتي، فيما وصفه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بأنه: “رجل سلام التزم السلام في أوروبا”، ووافقهما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي وصفه بأنه: “رجل دولة فريد، غيّر مسار التاريخ”.

وكتبت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، تأبيناً مؤثراً، قالت فيه: “لقد مهد الطريق أمام أوروبا حرة. هذا إرث لن ننساه أبداً. أرقد بسلام يا ميخائيل غورباتشوف”.

ليس غريباً أن يحظى غورباتشوف بذلك الاحتفاء الغربي، خاصة وأن وفاته جاءت في أتون العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، والتي دشنت حقبة جديدة في تاريخ “القارة العجوز” تمثلت بواكيرها في توقف إمدادات الطاقة وتدهور الاقتصاد.

لم يكن غورباتشوف يشبه بوتين الصارم والمركزي؛ فقد تبنى سياسة مهادنة للغرب، وأحجم عن استخدام القوة لسحق المطالبات بالحكم الذاتي في خمسة عشر جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي، ما أدى إلى تفككه خلال العامين التاليين بطريقة عمتها الفوضى.

ولذلك فإن الروس لا يحتفظون بالكثير من الذكريات الجميلة لغورباتشوف، كما يرى قادة الغرب؛ فعلى الرغم من أن الروس باتوا يتمتعون بحريات كبيرة نتيجة تحجيم دور الحزب الشيوعي، لكنهم عانوا في المقابل من نقص في السلع ومن فوضى اقتصادية ومن حركات قومية قضت على الاتحاد السوفيتي وهو أمر لم يغفروه له.

كانت الصورة مختلفة في موسكو؛ فقد اقتصر موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إرسال برقية تعزية، رأى فيها أن غورباتشوف: “كان مخطئاً للغاية بشأن احتمالية التقارب مع الغرب المتعطش للدماء”، فيما أكد المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أن جدول عمل بوتين لن يسمح له بحضور جنازته.

وعكست الجنازة “شبه الرسمية” حالة الاحتقان الدولي، إذ لم يتمكن كبار السياسيين من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، والاتحاد الأوروبي، واليابان، وكندا، من حضورها نظراً لمنعهم من دخول الأراضي الروسية، رداً على العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا بسبب غزو أوكرانيا.

وفيما أرجع البعض موقف بوتين المتشنج من غورباتشوف إلى خلافات شخصية بينهما، رأى آخرون أن المسألة ترتبط بتبني الرئيس الروسي نهجاً جديداً يسوق العالم نحو حقبة مختلفة عن تلك التي دشنها غورباتشوف قبله بثلاثة عقود، خاصة وأن بوتين لم يفوّت الفرصة للتأكيد على أن تفكك الاتحاد السوفيتي كان “أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين”، معتبراً أنه كان نهاية “روسيا التاريخية”، ومُعبّراً عن امتعاضه من أن الأزمة الاقتصادية التي أعقبت ذلك اضطرته للعمل كسائق سيارة أجرة.

ربما كان عميل جهاز الاستخبارات (KGB)  اليافع يبالغ في وصف حالة البؤس التي مر بها عقب تفكك الاتحاد السوفيتي؛ إلا أن تصريحاته أعادت للأذهان غضب طبقة كبيرة من ضباط الجيش ورؤساء أجهزة الاستخبارات، وشعورهم بالإهانة عندما وافق غورباتشوف على تفكيك صواريخ (SS-23)، وسماحه للمفتشين الأمريكيين بزيارة المنشآت العسكرية السوفيتية لضمان الامتثال، وذهابه إلى واشنطن (1987) ليوقع مع الرئيس الأمريكي، رونالد ريغان، معاهدة “القوات النووية متوسطة المدى”.

وفي فورة الشعور القومي الذي أذكته الحملة الروسية ضد أوكرانيا؛ بدا صوت غورباتشوف خافتاً، عندما انتقد بقاء بوتين في الرئاسة لثلاث فترات، قائلاً: “أنصحه بالمغادرة، قضى فترتين رئيساً وفترة رئيساً للوزراء، وأحاط نفسه بتكتلات سياسية”، وكذلك عندما أصدرت مؤسسته بياناً (فبراير 2022) احتجت فيه على الغزو الروسي لأوكرانيا، ودعت فيه إلى: “وقف فوري للأعمال العدائية والبدء بمفاوضات سلام”، وشددت على أنه: “لا شيء أغلى في العالم من أرواح البشر”.

وللتعبير عن اختلاف نهجه؛ أكد بوتين (قبل يوم واحد من إعلان وفاة غورباتشوف) أن الطريق نحو عالم متعدد الأقطاب سيتصدر أجندة أعمال “المنتدى الاقتصادي الشرقي” في روسيا، وأن النظام أحادي القطب، الذي عفا عليه الزمن، يجري استبداله بنظام عالمي جديد قائم على المبادئ الأساسية للعدالة والمساواة، والاعتراف بحق كل دولة وشعب في مسار التنمية السيادي الخاص بهما، وأن المنتدى سيسفر عن تشكيل مراكز سياسية واقتصادية قوية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

وتؤكد المقارنة بين مواقف غورباتشوف وبوتين أن الخلاف يقوم على حزمتين مفاهيميتين متعارضتين، وأن المعركة التي تشهدها روسيا هي معركة أفكار وليست معركة أشخاص.

وقد عزز ذلك الخلاف موقف المدرسة البنائية التي رأت أن الواقعيين والليبراليين فشلوا في تفسير نهاية الحرب الباردة، نتيجة إهمال الجوانب غير المادية في النظام الدولي، وعدم قدرتهم على استقراء التحولات الداخلية التي طرأت في المجتمع السوفياتي، خصوصاً بعد تبني جيل كامل من المسؤولين مبادئ جديدة تمحورت حول سياستي “بيروسترويكا” و”غلاسنوست”، معتبرين أن سقوط الاتحاد السوفياتي جاء نتيجة التحول في المفاهيم، وليس بسبب رؤية خاصة بغورباتشوف أو نتيجة تغلب الولايات المتحدة الأمريكية، كما يدعي الواقعيون.

النظرية البنائية

تُعرّف البنائية (constructivism) بأنها: “نظرية في العلاقات الدولية تُركّز على طريقة تشكيل الأفكار والمعايير والمؤسسات لتحديد هوية الدولة ومصالحها”، وتقوم على اعتبار أن الأفراد يعطون المعنى للبنى السياسية والأمنية، وبالتالي فإن معرفة الهوية هو أمر أساسي، إذ إن اتجاهات السياسات الدولية تأتي نتيجة لعوامل: السلوك، والتعليم، ومستوى الثقافة، لدى الأفراد والمجموعات.

وتعود جذور البنائية إلى مطلع القرن العشرين، حيث اهتم عدد من الباحثين في مجال اللغات، وعلى رأسهم السويسري، فردينان دي سوسير، بمفهوم: “ثنائية الرمز ومدلوله”، واعتقاده بوجود علاقة عضوية بين الرمز اللغوي ومعناه من جهة، وبين وجهة النظر الذاتية للشخص الذي حدثت لديه عملية التعلم والفهم من جهة ثانية.

وقامت المدرسة البنائية، آنذاك، على أساس المزج بين ثنائية اللفظ والمعنى، من أجل استخلاص قواعد عامة يسهل القياس عليها، وهو ما يعرف “بالطريقة القياسية”، والتي تقوم على الانتقال من المعلوم إلى المجهول، ومن القاعدة العامة إلى الحالات الجزئية، وتطورت بعد ذلك لتشكل حزمة من الأفكار المتعلقة بتأثير المفاهيم على السياسة الدولية والدبلوماسية والأمن.

ومنذ ظهور جدلياتها الأمنية أواخر القرن العشرين، فتحت النظرية البنائية مجالات جديدة للبحث في مجال العلاقات الدولية من خلال التركيز على طبيعة الدولة، وإعادة تعريف مصطلحات: “السيادة”، و”الهوية”، و”المواطنة”، وأدوار “الجندرة” و”الإثنيات”، وغيرها من المفاهيم التي لم تكن حاضرة في النظريات السابقة، حيث رأى البنائيون أن قوة “السلطة” تقوم على قوة الأفكار التي ترتكز عليها، وعلى الثقافة واللغة والمفاهيم المعنوية المرتبطة بها، وعلى مرونة السلطة في تكييف قدراتها بما يواكب التطورات الدولية.

واعتبر البنائيون أن “السيادة” هي أمر نسبي، وأنها لا تمثل مفهوماً مطلقاً، بل هي أمر متنازع عليه، إذ إن الدول لم تمتلك، في أي وقت، سيادة مطلقة على أراضيها، بل كانت سيادتها عرضة للتحدي من خلال التحولات التي كانت تقع على مستوى الأشكال المؤسساتية، وظهور الحاجات الوطنية الجديدة.

ومن خلال التركيز على المفاهيم وطريقة تشكلها؛ نسجت البنائية رؤية مغايرة للمدارس الواقعية والليبرالية، مؤثرة الارتكاز على تتبع المتغيرات التي تطرأ على المفاهيم والأفكار والمعايير عندما يتم نشرها أو تدويلها، والبحث في تأثيرها عندما تنتشر في بيئة محلية، وما يمكن أن تحدثه من متغيرات على صعيد المجتمع، ومن ذلك انتشار مفاهيم الديمقراطية والحكم الرشيد بين الشعوب على سبيل المثال.

وبناء على ذلك؛ فإن البنائيين يرون أن الأفراد والهويات المجتمعية، وما يمكن أن تحدثه؛ المعايير الجمعية، والهوية الاجتماعية، ومعتقدات النخب، من تأثير على سلوك الدول؛ هي العناصر الأكثر فاعلية في النظام الدولي، ولذلك فإنهم عرّفوا الدولة بأنها: “كيان مبني على أسس اجتماعية، يمثل مستودعاً للمصالح الوطنية التي تتشكل وفق تغير المعايير الدولية، والتي تمتلك بدورها القدرة على تغيير الأولويات الوطنية، ويمكن أن يكون للدولة هويات متعددة تأتلف في تقديم تعريف مشترك للهوية الوطنية الجامعة”.

ويعتبر البنائيون أن الهويات والمعايير المجتمعية والمصالح الوطنية هي بنى اجتماعية، وبأنها ليست مادية ولا ثابتة، بل تتغير وفق مقتضيات الاستجابة للمتغيرات والأفكار الدولية، حيث تتشارك الدول في مجموعة من الأهداف والقيم، وتتشكل في منظمات دولية ذات طابع اجتماعي.

وفيما يركز الواقعيون على مصادر القوة الطبيعية للدولة (الجغرافيا، الموارد الطبيعية، عدد السكان)، ويعير الليبراليون اهتماماً أكبر بمصادر القوة الملموسة (التطور الصناعي، مستوى البنية التحتية، التبادل التجاري)؛ يرى البنائيون أن مصدر القوة الحقيقي يكمن في العوامل غير المادية، الموجودة في الأفكار (الصورة الوطنية، التأييد الشعبي، القيادة)، لكن المدارس الثلاثة تتفق فيما بينها على أن القوة: متعددة الأبعاد، ودينامية، وظرفية، ما يجعل المعيار الاقتصادي هو الأفضل بالنسبة للجميع.

ومن أبرز منظري المدرسة البنائية؛ الباحث الأمريكي من أصل ألماني، ألكسندر فيندت، الذي نشر دراسة بعنوان: “الفوضى هي ما تصنعه الدول، التفسير الاجتماعي لسياسة القوة”، (1989)، دعا فيها إلى إيجاد مقاربات جديدة لتحليل الأمن الدولي من خلال الفلسفة والعلوم الاجتماعية، وانتقد في الوقت نفسه عجز النظرية الواقعية عن استيعاب العناصر الفاعلة من غير الدول، وما أحدثته الحركات الاجتماعية والفكرية العابرة للحدود من تغيير في المشهد الدولي.

ويمكن تلخيص أبرز مبادئ النظرية البنائية في تسع محاور رئيسة هي:

1- الدولة: تعتبر الوحدة الأساسية لتحليل الواقع الدولي، والتي تتشكل بدورها على أساس تفاعلات اجتماعية متواصلة، ينتج عنها سلوكيات ديناميكية قابلة للتغيير، ما يعني أن الدولة هي محصلة تفاعلات اجتماعية داخلية.

2- النظام الدولي: يقوم على التفاعلات بين الدول، وتحدد سلوكياته بناء على مؤثرات اجتماعية تضمن الحد الأدنى المشترك من التفاعلات الاجتماعية داخل كل دولة، ولا يمكن فهم تحولات السياسة الدولية إلا من خلال دراسة التحولات الاجتماعية للوحدات (الدول) التي تشكله، وتأثيراتها على المفاهيم المجتمعية العالمية.

3- المصلحة الوطنية: تتشكل هويات ومصالح الدول ضمن نسق مترابط بفعل البنى الاجتماعية، والتي تُمثّل العامل الأساسي لربط البنى والفاعلين وإدراكهم للواقع في علاقة جدلية متعددة الاتجاهات ينتج عنها معارف وممارسات وسلوكيات مشتركة بين الدول.

4- المعيارية: إعطاء الأهمية البالغة للمعايير كمحددات لتشكل هوية الدول الفاعلة ومصالحها، واعتبار أن الطريقة المثلى لتحليل الظاهرة الدولية هي تقصي المفاهيم والقناعات المتبادلة بين القوى الفاعلة، ومعرفة إدراك كل وحدة لدورها في المجتمع الدولي وآليات تعاملها معه.

5- الأمن: ينتقد البنائيون تفسير الواقعيين للعلاقات الأمنية في السياسة الدولية من خلال القول بوجود نمط تهديد واحد في شتى العلاقات بين الدول، ويقدمون رؤية مغايرة تقوم على ضرورة البحث في التكوينات المجتمعية وربطها بالتفاعلات الدولية وبتحولات الأفكار والقيم والمعايير لتحليل الظواهر الأمنية.

6- الهوية: تركز البنائية على المتغيرات التي تطرأ على الهويات المجتمعية كعنصر أساسي في تحليل الأشكال الجديدة من النزاعات وبالذات الداخلية منها، وتعمد إلى تحليل الهوية من خلال تقصي التطورات التي تطرأ على منظومات الإدراك والأفكار والمعايير التي تحكم سلوكيات المجتمع، وتحدد أنماط تعامله مع المجتمع الدولي، والتي تتأرجح في الغالب بين التنافس والتعاون.

7- النظام الدولي: يدعو أقطاب المدرسة البنائية إلى زيادة الاهتمام بهويات الدول الفاعلة للتمكن من صياغة نسق من المصالح المشتركة بين الدول، بحيث يمكن التوصل إلى هوية جماعية، تتجاوز التصور الوطني إلى تصور جماعي قائم على ضمان القواعد العامة المشتركة بين الدول، فالهويات الجماعية والمصالح تتشكل في عمليات التفاعل، وبالتالي فإنه لا وجود لمعضلة أمنية تلقائية بين الدول.

8- التغيير: يتفق البنائيون مع الواقعيين في أن الأصل في النظام الدولي هو الفوضى، لكنهم يعتقدون أن التعامل مع تلك الفوضى يتم من خلال إصلاح البنى الاجتماعية القادرة على معالجة آثار الفوضى، وذلك من خلال استحداث مؤسسات فوق مستوى الدولة توكل إليها مهمة تحديد المبادئ الجماعية والتراكيب المنظمة لأعمال الدول، وتتم عملية التغيير من خلال إصلاح آليات المعرفة لدى الدول التي تشكل النظام الدولي، وهو أمر لا يتم بطريقة ثورية بل يتطلب وقتاً وجهداً لمساعدة الدول في صياغة المفاهيم الجماعية وتطوير آليات التعاون فيما بينها.

9- القوة: يفسر البنائيون القوة في إطار البنية الاجتماعية بحيث تشمل الإدراك، بدلاً من قصرها على الجوانب المادية للدولة، واعتبار أن التهديد الذي تواجهه الدولة لا يقتصر على القوة العسكرية لدولة معادية، بل يمتد ليشمل الأفكار والمفاهيم المعادية (transnational ideologies) التي تقوض قوة الدولة وتشكل مصدر تهديد للمجتمع.

وتعززت أطروحات النظرية البنائية لدى ظهور مصطلح “القوة الناعمة” في تسعينيات القرن الماضي، وهو مفهوم صاغه الباحث الأمريكي في جامعة هارفارد، جوزيف ناي، في كتابه: “القوة الناعمة: وسائل النجاح في السياسة الدولية”، والذي تحدث فيه عن القدرة على الجذب والضم دون الإكراه أو استخدام القوة.

وعلى الرغم من أن ناي لا ينتمي إلى المدرسة البنائية، إلا أن أطروحاته أسهمت في تعزيز المدرسة البنائية على اعتبار أن “القوة الناعمة” تعتمد على الأسس الروحية والمعنوية للدول من خلال ما تجسده من أفكار ومبادئ وأخلاق، وعبر تبنيها مفاهيم حقوق الإنسان، والثقافة، والفن، ما يدفع القوى الأخرى إلى احترام أساليبها والإعجاب بها ثم اتباعها.

واعتبر ناي القوة الناعمة سلاحاً مؤثراً يحقق الأهداف عن طريق الجاذبية والإقناع بدلاً من سياسات الإرغام، مؤكداً أن موارد القوة الناعمة لأي بلد هي ثقافته، خاصة إذا كانت تتمتع بالجاذبية وتمتلك القدرة على تطبيقها بصورة ناجحة.

ورأى أن حسم الصراعات بالقوة العسكرية وحدها أصبح أمراً من الماضي، خاصة وأن الانفتاح وقوة وسائل الاتصال والبرمجيات قد تشكل عائقاً يحول دون شن حروب جديدة، ما يدفع إلى اعتماد إستراتيجية القوة الناعمة لكسب حلفاء جدد، ليس من خلال إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الدول فحسب، بل من خلال مد العلاقات مع شعوب تلك الدول.

واعتبر ناي أن مفهوم القوة تحول بصورة كبيرة في السنوات الماضية، فبعد أن كان مرتبطاً بالقسر والإجبار؛ تراجع دور القوات المسلحة بحيث بات يُعتمد عليها في استخدامات محدودة كالزجر والردع، في مقابل إسهام الثورة الرقمية في تعزيز دور القوة الناعمة للقيام بأعمال: الإقناع، والدعاية، والتأثير على سلوك الجماهير وإقناعهم بتبني مفاهيم جديدة دون اللجوء إلى القوة الصلبة.

وتعتمد القوة الناعمة على ثلاثة موارد رئيسة هي:

– ثقافة البلاد: وما تتضمنه من مكونات جاذبة للآخرين من خلال، المعلومات المتوفرة في مختلف أنواع العلوم، وأدوار النخب من المثقفين والأساتذة والطلبة، وقدرة الثقافة الشعبية القائمة على تغيير القناعات والأفكار وإيصال المعلومات.

– القيم السياسية: وتتمثل في مجموعة القيم التي تُقدّمها الدول، كالحرية، وحقوق الإنسان، وغيرها من مصادر الجذب، مثل: محاربة العنصرية، وتعزيز الأخلاقيات السياسية.

– السياسة الخارجية: عندما يراها الآخرون مشروعة، وذات سلطة معنوية أخلاقية، كمساهمة الدول المتقدمة في تنمية اقتصاديات الشعوب الفقيرة، وتقديم المساعدات الدولية، ونشر السلام.

القوة اللاعبة الرئيسية

الأفراد، الهويات الجماعية

الفرد

ينتظم الأفراد في مجموعات تقودها النخب

الدولة

سلوك الدولة تشكله معتقدات النخب، والمعايير الجمعية، والهوية الاجتماعية

النظام الدولي

لا يمكن تفسير الأمور عبر البنية الدولية وحدها

التغيير

الإيمان بالتغيير التدريجي القائم على تغير المفاهيم

أبرز الباحثين

ألكساندر فيندت

الملامح العامة للنظرية البنائية

وشهدت السنوات الماضية ظهور عدة تيارات داخل النظرية البنائية أبرزها: “بنائية ما بعد الحداثة” (post-modern constructivism)، والتي رأى منظروها عدم وجود وجهة نظر محايدة يمكن من خلالها تقييم صحة ادعاءات المعرفة التحليلية والأخلاقية، والتي غالباً ما تتناقض مع نسخة أكثر شيوعاً من “البنائية الحديثة” (modern constructivism)، وكذلك “البنائية النسوية” (Feminist constructivism) التي تركز على كيفية تأثير الأفكار حول الجنس في السياسة العالمية، وترى وجود علاقة وطيدة بين ظهور النسوية وحقبة ما بعد الاستعمار، وخاصة فيما يتعلق بمطالب تحقيق المساواة بين الجنسين.

ونظر البنائيون النسويون إلى علاقات القوة بشكل مختلف عن البنائيين التقليديين، معتبرين أن القوة والتحليل الجندري هما عنصران أساسيان في بناء المجتمع الدولي، ورأوا وجود ترابط بين الجندرة والسلطة في السياسات المحلية والدولية، باعتبارها أهم مكون في بنية المجتمع، ودعوا إلى إجراء مراجعات شاملة في تأثير النسويات على العلاقات بين الدول، وكذلك في مناهج التنشئة الاجتماعية والتأهيل الثقافي.

نقد النظرية البنائية

تعرضت المدرسة البنائية لانتقادات من قبل أنصار ما بعد الحداثة، فعلى الرغم من كونها أكثر معاصرة من النظريات السابقة؛ إلا أنها اعتمدت على تعريف ضيّق للمصالح والهويات الوطنية، ولم تخرج عن ربقة النظرية الواقعية في مبالغتها بتقييم دور الدولة في السياسة الدولية واعتبارها أهم طرف فاعل فيها.

ورأى النقاد أن تركيز البنائيين على الأفكار ومدلولاتها أخرجهم من الإطار الواقعي، وأعادهم إلى دائرة المناهج الكلاسيكية الفلسفية التي تقوم على فرضيات غير ناضجة تفتقر إلى الشمولية والتكامل.

وعلى الرغم من تلك الانتقادات؛ إلا أن البنائية استمدت قوتها من نظرتها الاجتماعية والقيمية، ومن قدرتها على إنشاء منظومة فكرية ترتكز على: “معتقدات النخب” و”الهويات” و”المعايير الاجتماعية”، في تفسير سلوك الدولة، وبالتالي فإنها تعتبر المدرسة الرائدة في مجال المعيارية الدولية وفي تفسير ممارسات الأفراد والدول ضمن المنظومة الدولية.

الرؤية

شباب سوري واعٍ، يشارك في صنع القرار السياسي، ويسهم في صياغة مستقبله، وينافس في شتى ميادين التنمية، لتحقيق ما يتطلع إليه لرفعة وطنه وازدهار مجتمعه

الرسالة

مركز فكر إلكتروني يعمل على إدماج الشباب السوري في مجالات صنع القرار، واحتضان طاقاتهم الكامنة وإبداعاتهم الفكرية والبحثية، وتمكينهم من المساهمة الفاعلة في التنمية وبناء المجتمع، عبر التأسيس لثقافة التميز، وتحفيز المسؤولية، وترسيخ روح المبادرة، لدفعع مسيرة التقدم والازدهار

المشرف العام: د. بشير زين العابدين

وسائل التواصل الاجتماعي

جميع الحقوق محفوظة – شارك شباب © 2021