الأبعاد التطبيقية للنظريات الأمنية

أدوار جديدة لأجهزة الأمن

مثّل تعيين وليام بيرنز مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) عام 2021؛ تحولاً كبيراً في نمط عمل الوكالة، خاصة وأنه يتمتع بنفوذ في “مجلس الأمن القومي”، ويقدم المشورة للرئيس الأمريكي، متفوقاً على سائر منافسيه في الأجهزة الأمنية الأخرى كمكتب التحقيقات الفيدرالي، ووكالة الاستخبارات الجغرافية المكانية الوطنية، ووكالة استخبارات الدفاع.

ويتميز بيرنز بأنه دبلوماسي مخضرم، عمل في سلك الخارجية الأمريكية لثلاثة عقود، خدم فيها خمسة رؤساء، وعشر وزراء خارجية، ويتمتع بعلاقة وثيقة مع عدد من المسؤولين العرب، حيث عمل سفيراً لبلاده في الأردن (1998-2001)، وشغل منصبي؛ مساعد وزير الخارجية للشرق الأدنى، والمساعد الخاص للرئيس ومدير شؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا في مجلس الأمن القومي، كما أنه يتكلم العربية بطلاقة.

وفي أثناء عمله بالخارجية الأمريكية؛ أوكلت إليه مهمة إقامة علاقات ودية مع موسكو كسفير لبلاده فيها (2005-2008)، وحقق نجاحاً في عمله، ما دفع بالسلطات الروسية لاعتباره “الشخصية الأمريكية الأقل إضراراً بمصالحها”، وفقاً لصحيفة “كوميرسانت” الروسية التي نقلت عن مسؤولين روس قولهم إن بيرنز كان يصنف على أنه شخصية يمكن التفاهم معها بفضل اتصالاته السابقة بالمؤسسات الروسية.

كان وليام بيرنز يتوقع أن يقود فريقه الأمني في المهمة الرئيسة المنوطة به والمتمثلة في تحجيم الصين؛ إلا أن الغزو الروسي لأوكرانيا غير حساباته بالكامل، حيث كلفته الإدارة الأمريكية بمهمة قيادة الاستخبارات الغربية في المعركة الأمنية ضد روسيا.

ففي المرحلة الأولى للغزو الروسي؛ تبنت الوكالة مهمة مشاركة المعلومات السرية، ونشر ما تحصل عليه عبر منظومة “سيجنا-إنتلجنس” حول العمليات العسكرية الروسية في وسائل الإعلام.

وأضيفت فيما بعد حزمة مهام أخرى للوكالة، تمثلت في: الإشراف على عمليات تبادل المعلومات مع جهاز المخابرات الداخلية الأوكراني (SBU)، وتأمين وصول العتاد العسكري لكييف، والتعاون مع رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، كيريلو بودانوف، الذي انخرط في معركة “شائعات مضادة”، تهدف إلى “تضخيم ونشر” المعلومات المثيرة ضد موسكو، ومنها الشائعات التي تحدثت عن: قيام بعض “مواطني القوقاز” بمحاولة اغتيال فاشلة لفلاديمير بوتين، وعن معاناة الرئيس الروسي من “عدة أمراض خطيرة”، ومحاولة مسؤولين في الكرملين الإطاحة به.

وساعد بيرنز نظيره الأوكراني، كيريل بودانوف (وهو لواء حاصل على رتبة من معهد القوات البرية في أوديسا عام 2007) في مهمة نشر الشائعات في الأوساط الأمنية والإعلامية الدولية، وذلك ضمن إستراتيجية جديدة يطلق عليها: “محاربة الإشاعات والحروب الهجينة واستعادة الأراضي المحتلة”.

وفي انخراط ميداني مباشر؛ شرع بيرنز في تزويد الجيش الأوكراني بمعلومات نوعية على الأرض، مؤكداً (20 يوليو 2022): “نشارك قدراً كبيراً من المعلومات الاستخبارية مع الأجهزة والقيادة الأوكرانية التي تستخدمها بشكل فعال”.

ومن جهتها؛ كلفت الاستخبارات الفرنسية “وكالة الابتكار الدفاعي” بمهمة تأسيس منصة لحرب المعلومات من خلال شركة (Bloom)، وذلك في أعقاب معلومات حصلت عليها “شركة الاستخبارات الأمريكية للتهديدات الإلكترونية” (Record Future)، وأرسلها بيرنز إلى نظرائه في أوروبا، تفيد بأن فرنسا وألمانيا وبولندا وتركيا، هي الدول الأكثر استهدافاً من قبل موسكو وحلفائها.

وعملت الوكالة الفرنسية على برنامج لمكافحة المعلومات المضللة مستعينة بعدد من المطورين المحليين، وعلى رأسهم شركة (Airbus) التي عملت على تعزيز وحدة دعم الابتكار المزدوج (RAPID) التابعة لوكالة الابتكار الدفاعية الفرنسية، والتي تعمل في مجال المعلومات الدفاعية والهجومية للقوات المسلحة الفرنسية، وتمييز محتوى الشبكات الاجتماعية ومستخدميها من أجل تحديد الاتجاهات والإشارات.

وبالإضافة إلى تنسيقه مع الاستخبارات البريطانية والفرنسية والأوكرانية، وثّق بيرنز علاقته بمدير جهاز المخابرات الخارجية الروماني (SIA)، غابرييل فلاسي، وتعاون معه في جمع وتحليل المعلومات الاستخبارية بشأن روسيا، خاصة وأن فلاسي، تولى مهمة تبادل المعلومات الاستخباراتية حول أوكرانيا مع واشنطن خلال الفترة 2018-2022.

ومنذ انضمام رومانيا للاتحاد الأوروبي (2001)، وحلف شمال الأطلسي (2004)، يبذل جهاز المخابرات الخارجية الرومانية ووكالات الاستخبارات الرومانية الأخرى جهوداً كبيرة لتعميق التعاون الأمني مع واشنطن، عبر المساهمة في عمليات “مكافحة الإرهاب”، والمشاركة في العمليات العسكرية الأمريكية بالعراق وأفغانستان، واستضافة سجون سرية لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية على أراضيها.

وفي مقابل المعركة الاستخباراتية المفتوحة ضدها؛ بادرت الاستخبارات الروسية إلى تنفيذ عدة برامج للخروج من عزلتها، وتعزيز نفوذها الخارجي عبر “الوكالة الفيدرالية لشئون كومنولث الدول المستقلة”، والتي يديرها يفغيني بريماكوف “الصغير”، حفيد أول رئيس لجهاز المخابرات الخارجية السوفياتية، حيث تمت زيادة مخصصاتها السنوية بمقدار ثلاثة أضعاف نظراً لتنامي أهميتها في الحرب الأوكرانية.

وتمتلك الوكالة  المقربة من أجهزة الاستخبارات الروسية، 92 فرعاً في مختلف أرجاء العالم، ويعمل فيها طاقم ضخم يتولى مهام تنسيق المساعدات المرسلة إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش الروسي جنوب شرق أوكرانيا، ويسهم في نشر سردية الكرملين حول الحرب بأوكرانيا، وخاصة في “دونباس” حيث نشرت الوكالة معلومات حول “التأييد الشعبي” للعملية الروسية، وأصدرت كتيباً بعنوان: “الحرب الأهلية في أوكرانيا 2014-2022″، وترجمته إلى 14 لغة، بهدف عرض وجهة نظر الكرملين للعالم، كما تدير الوكالة موقعاً على شبكة الإنترنت يُدعى: “جرائم الحرب في كييف” ، والذي يسعى إلى مواجهة المواقع المؤيدة لأوكرانيا.

وتعمل الوكالة بالتعاون مع “مؤسسة دراسة الديمقراطية”، التي يرأسها الروسي، مكسيم غريغورييف، وتدعم الكرملين بالدراسات حول أوكرانيا وسوريا بشكل أساسي.

علماً بأن الوكالة هي جزء من شبكة كبيرة شيدتها روسيا خلال السنوات الماضية بهدف التعريف بالثقافة الأدبية والتاريخية لروسيا، لكنها تحولت في الآونة الأخيرة إلى أداة لنشر رسائل الكرملين والترويج لسياسات بوتين.

وبالإضافة إلى المعركة الثقافية والمعلوماتية؛ انخرطت الاستخبارات الروسية في حرب اقتصادية ضد الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، حيث برز دور المستشار الاقتصادي للرئيس، ماكسيم أوريشكين، في تحديد سبل استجابة الكرملين لمواقف الغرب المناوئة له، وينسب له الفضل في تجنيب روسيا أسوأ الأضرار الاقتصادية التي كان يخشى حدوثها عندما فُرضت العقوبات لأول مرة، خاصة بعد أن نجح في تعزيز أداء الروبل نتيجة تدفق عشرات مليارات الدولارات واليورو من صادرات الطاقة، وذلك بفضل توجيهاته بفرض الروبل في إمدادات الغاز إلى أوروبا، كرد على العقوبات الغربية، ما أجبر الاتحاد الأوروبي على التراجع.

وأمام تلك التحولات غير المسبوقة؛ اضطر الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، للقيام بعملية إصلاح واسعة النطاق في وكالة المخابرات الوطنية، معتمداً على ثلاث مسؤولين أمنيين مرموقين، هم: رئيس الإدارة الرئاسية، إيغور سيرجينكو، ورئيس مجلس الأمن القومي، ألكسندر فولفوفيتش، ومدير وكالة (KGB)، إيفان ترتل، والذين أوكلت إليهم مهمة توسيع نطاق عمل الوكالة في مجال المعلومات، وتعزيز الأدوار التي يقوم بها الجيش الإلكتروني البيلاروسي، وجمع المعلومات الاستخبارية في المجال السيبراني، بالإضافة إلى عسكرة الهياكل المدنية مثل: وزارة  الطوارئ، والوكالة الوطنية لحماية النباتات والحيوانات، والتي يرأسها يوري تيرتل ،الأخ الأصغر لرئيس الوكالة. كما تضمنت الإجراءات تشكيل ميلشيا شعبية بيلاروسية، وإنشاء قيادة عملياتية جديدة للجنوب.

وتمثل تلك التحولات العملياتية ثورة في عمل أجهزة الأمن الغربية، التي شرعت في خوض أولى معاركها التقنية-المعلوماتية في الألفية الثالثة ضد خصم عنيد يمتلك شبكة واسعة وتقنيات متقدمة.

وتشمل الحرب الاستخباراتية الجديدة خليطاً غير مسبوق من: الدبلوماسية، والمعلومات، والاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والإعلام، فضلاً عن خوض غمار العمليات العسكرية من خلال فرق متخصصة في هذا المجال.

وعززت تلك التحولات حالة الانفصام القائم بين النظريات التقليدية وبين التطبيقات المعاصرة التي لم تعد تقتصر على المفاهيم الضيقة والتقليدية حول الأمن ووظائفه.

محاولات تقديم نماذج تطبيقية للأمن

في خطوة باتجاه تقديم رؤية تطبيقية للأمن الإقليمي؛ حاول الباحثان؛ هرير دكمجيان وهوفان سيمونيان، الإجابة على جملة من التساؤلات المتعلقة بتقاطعات الأمن، من خلال اتخاذ الدول المطلة على بحر قزوين نموذجاً لتقصي تداخل الأمن الإقليمي مع الأمن الدولي، مؤكدين أن النظريات الأمنية الغربية لم تتمكن من استشراف ما آلت إليه الأوضاع في تلك المنطقة، وما نتج عنها من صراع بين القوى الفاعلة (أذربيجان، وتركمانستان، وإيران، وكازاخستان، وروسيا) عقب اكتشاف النفط، حيث ظهرت عوامل جديدة في الصراع الإقليمي لم تكن في الحسبان؛ ومن جملتها: ظهور لاعبين جدد خارج إطار الدول، كالمنظمات المالية الدولية، والمجموعات الدينية المسلحة، والحركات القومية، وغيرها من القوى التي انخرطت في الصراع، وأصبحت تقوم بأدوار أكبر مما يمكن أن تفعله بعض الدول، وما مثلته مظاهر العولمة الاقتصادية، والعولمة الثقافية، وعولمة الاتصالات، من فرص لتدخل القوى الكبرى في شؤون الإقليم.

ولمعالجة مشكلة قصور النظريات التقليدية عن فهم خصوصيات الأمن الإقليمي؛ اقترح الباحثان أربعة محاور للتحليل، هي: 

  • تحليل المجتمعات والمكونات السكانية داخل دول الإقليم على المستوى الأصغر (micro level)
  • تحليل العلاقة بين الدول في الإقليم، على مستوى علاقة الدولة بالدولة (state to state level)
  • تحليل العلاقة بين الدول المحورية والدول الهامشية في الإقليم، بناء على مستوى الموقع والأهمية والموارد، مقابل الدول الهامشية التي لا تمتلك تلك العناصر.
  • تحليل علاقة دول الإقليم بالقوى العظمى الفاعلة، وتأثيراتها في المجالات الاقتصادية والعسكرية والثقافية.

وأضافا بعد ذلك عنصراً خامساً، يتمثل في الدمج ما بين ثلاثة مكونات رئيسية، هي: العولمة، والجيوبولوتيك، والتاريخ.

وفي العام التالي (2004)؛ نشر مايكل كريغ دراسة بعنوان: “تقييم البدائل الأمنية للخليج العربي عبر إطار نظري”، حاول فيها تقديم نموذج تطبيقي ضمن نظريات العلاقات الدولية، حيث استعرض ثلاثة نماذج هي:

1- النموذج الواقعي المتمثل في إنشاء ميزان ديناميكي للقوى، تتغير فيه علاقات التحالف والصداقة والعداء وفقاً للتحولات.

2- النموذج القائم على قيام قوة مهيمنة (الولايات المتحدة الأمريكية) بإنشاء تحالف يضم دول المنطقة، ويعمل على توظيف الأدوات الاقتصادية والعسكرية للحد من سباق التسلح والحد من محاولات الدول المتمردة (إيران) لحيازة السلاح النووي.

3- النموذج الليبرالي القائم على مفهوم “الأمن التعاوني”، والذي يضم سائر الأطراف في منظومة تقوم على مفهوم المنافع المشتركة.

واعتبر كريغ أن تحقيق الأمن المستدام مرهون بقدرة دول المنطقة على النموذج الثالث، والمتمثل في إقامة علاقات مستقرة فيما بينها، وليس على نموذجي “الردع” أو “الهيمنة الخارجية”، ووضع ثمانية شروط لضمان نجاح نموذج الأمن التعاوني، هي:

1

إنشاء منظومة توافقية لرسم السياسات الخارجية بصورة مشتركة بين الدول الأعضاء.

2

التوصل إلى ترتيبات “عادلة” و”شرعية” يمكن أن يقوم السلام والاستقرار على أساسها.

3

تحليل النظام الدولي بالقدرة على استيعاب سائر الدول والأطراف ما دون الدولة ضمن آلية تحظى بالاعتراف الدولي.

4

تأسيس نظام “ردع” يمنع سائر الأطراف من تبني سياسات عدائية شريطة أن تكون ضمن المنظومة الإقليمية بدلاً من أن تُفرض من قبل قوة خارجية مهيمنة.

5

توفير المؤسسات اللازمة لسن القوانين والتشريعات، ومراقبة التزام سائر الأطراف بها.

6

تبني ثقافة إقليمية ترفض اللجوء إلى العنف في معالجة النزاعات البينية.

7

تنفيذ برامج إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي، تعود بالنفع على سائر الأطراف.

8

مواءمة المنظومة الإقليمية مع الإرث التاريخي للإقليم، وضمان معالجة النزاعات التاريخية بصورة جذرية لضمان عدم لجوء أي من الأطراف إلى العنف من جديد.

شروط إنشاء نظام أمن إقليمي تعاوني

ومثّل نموذج كريغ محاولة جريئة للدمج بين بعض أطروحات المدارس التقليدية الثلاثة، مستعيراً مفاهيم “الردع” و”القوة المهيمنة”، و”توازن القوى”، و”نزع السلاح”، ومستوعباً الأبعاد المفاهيمية عبر الحث على برامج إصلاحية شاملة، وتبني ثقافة سلمية من قبل سائر الأطراف كما يرى البنائيون.

وفي تحليله للوضع القائم؛ رأى كريغ أنه لا يمكن تطبيق النموذج الأوروبي على الحالة العربية، لأن دول المنطقة لم تمر بالنمط التدريجي الذي شهدته مرحلة التشكل الأوروبي الشاق عبر ثلاثة قرون، واعتبر أن الانتقائية في التحالفات، ولجوء الدول إلى إبرام اتفاقيات جانبية، وعدم قدرتها على إدماج سائر الأطراف في توافقات مشتركة؛ حالت دون تحقيق الأمن والاستقرار، خاصة وأن بعض القوى (إيران) تتعرض للعقوبات، فيما تتشارك دول أخرى (دول مجلس التعاون) المنافع الاقتصادية المشتركة، ورأى أنه لا يمكن إنشاء حالة توازن إقليمي في ظل الفروق الكبيرة بين دول المنطقة، الأمر الذي يفرض تبني إصلاحات داخلية تهدف إلى إنشاء منظومة إقليمية تقوم على “توازن المصالح” بدلاً من “توازن القوى”.

وفي العام نفسه (2004)، نشر الباحث الإيطالي، فولفيو أتينا، دراسة استعرض فيها عدة نماذج يمكن تطبيقها لإنشاء منظومة أمن إقليمي في حوض البحر الأبيض المتوسط، وأتبعها بدراسة في العام التالي؛ رأى فيها أن التطبيقات الأمنية تتغير بتغير الزمان والظروف، وأن النماذج الواقعية القائمة على الهيمنة العسكرية وتوازن القوى لم تعد قابلة للتطبيق، وخاصة في آسيا وأفريقيا، حيث تتطلب صياغة النظام مراعاة الخصوصيات الإقليمية، وفهم أنماط الصراعات القائمة فيها، والانطلاق من ذلك لنسج منظومة تقوم على أدوات مغايرة تتضمن:

1- إبرام اتفاقيات أمنية.

2- إنشاء منظمات إقليمية.

3- اتخاذ إجراءات بناء ثقة.

4- تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري

5- إنشاء مؤسسات للحوار، بهدف التوصل إلى رؤى مشتركة حول سبل تحقيق السلام والاستقرار الإقليمي.

ورأى أنه لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال توصل الدول إلى رؤى مشتركة للاعتمادية وفض النزاعات بالطرق السلمية، شريطة عدم تدخل أية قوى خارجية، بهدف تفادي سياسات الاستقطاب ودرء التدخل الخارجي.

وبعد استيفاء تلك الإجراءات؛ يقوم نموذج فولفيو على أربعة عناصر رئيسة هي:

1- الشروط المسبقة: والتي تتضمن وعياً مشتركاً لدى دول الإقليم بمقتضيات الاعتمادية المتبادلة لتحقيق السلام، والإيمان بأنه لا يمكن لأية دولة بمفردها أن تحقق ذلك من خلال محاولات الهيمنة والنفوذ، وأن يكون الإقليم خالياً من الحروب والنزاعات وسباقات التسلح، و أن لا يكون منخرطاً في صراعات خارجية.

2- الشروط: يشترط في النموذج الأمني توافق جميع الأطراف الفاعلة على أن تحقيق الأمن المشترك يتم عبر التعاون فيما بينها، وخاصة فيما يتعلق بآليات الحد من العنف، وتحقيق الاستقرار الداخلي في الدول المعنية، وتبني برامج التنمية والإصلاح الاقتصادي.

3- البنية والآليات: والتي تتضمن صياغة اتفاقيات شاملة توقعها جميع الأطراف، وإنشاء منظمات توفر المراقبة وتضمن الامتثال، وتتخذ حزمة من الإجراءات والآليات لمعالجة النزاعات بالطرق السلمية.

4- النتائج: ردم الهوة بين الدول الأعضاء، والناتجة عن اختلاف رؤاها للأمن وآليات تحقيق الأمن والاستقرار المستدام، والعمل على خلال إخراج الأمن من مفهومه الوطني الضيق إلى بعده الإقليمي، والتعاون بين الدول في معالجة المهددات العابرة للحدود.

م

الشرط

تقييم أداء جوار أوروبا الشرق أوسطي

1

الوعي بضرورة الاعتمادية ومقتضياتها

مرتفع

2

الاستخدام المحدود للعنف

متوسط

3

عدم وجود صراع قوى في المنطقة

هنالك صراع قوى

4

توفر الإجماع على الحد من العنف وتغليب السلم

متوسط/منخفض

5

التوافق على تحقيق الاستقرار الداخلي

متنوع

6

التوافق على تحقيق التنمية الاقتصادية

مرتفع

7

عدم الانضمام إلى أحلاف عسكرية متصارعة

هنالك تحالفات متعارضة

8

اتفاقيات أساسية مكتوبة

لا يوجد

9

الاتفاق على إجراءات عملياتية ومكاتب مشتركة

لا يوجد

10

إجراءات مشتركة لإدارة النزاعات ومعالجتها

غير واضح

11

عدم تدخل قوى من خارج الإقليم

هنالك تدخل خارجي

12

تقليص الاختلاف في الثقافة الأمنية

غير واضح

13

الاتفاق على نزع السياسات الدفاعية من إطارها الوطني

لا يوجد

14

العمل على إنشاء مجتمع أمني

غير واضح

نموذج فولفيو لإنشاء منظومة شرق أوسطية تتكامل مع امتدادها الأوروبي، مع تقييم إمكانية تنفيذه

 وفي عام 2005؛ نشر الباحث الدنماركي، بيورن ميولر، دراسة قدّم فيها توصيات للدول العربية حول تحقيق الأمن الإقليمي وفق رؤية “مدرسة كوبنهاغن”، حيث استعرض ملامح أولية لإنشاء نموذج أمني، وآليات تطبيقه، عبر منظومة تدمج بين مفاهيم: “توازن القوى”، و”الردع”، و”الحد من التسلح”، و”بناء الثقة”، و”السلام الديمقراطي”، و”الاندماج الإقليمي”، ورأى أن النموذج الأوروبي غير قابل للتطبيق في الحالة العربية نظراً للفوارق الكبيرة بين أوضاع الإقليمين.

وفي محاولة لتطبيق أطروحات بوزان؛ وضع بيورن ستة عناصر أساسية لإنشاء “مركب أمني إقليمي”، ثلاثة منها على مستوى الدول، هي: الدول الكبرى، والدول الصغيرة، والقوى الخارجية، وثلاثة أخرى على مستوى القوى ما دون الدولة هي: الجماعات الإثنية والمذهبية، والمنظمات الإقليمية، والمنظمات الدولية كالأمم المتحدة وأوبك والبنك الدولي وغيرها من المنظمات.

ورأى ميولر أن التحدي الأكبر يكمن في القدرة على تحقيق التجانس بين هذه المكونات التي تتبنى في الوقت الحالي تصورات متباينة، وتقوم على أنظمة مختلفة، في بيئة تتسم بالندية والصراع.

واعتبر أن التباين في أحجام الدول، وفي تعداد سكانها، وفي مواردها ومستوى تسلح كل منها، يعرقل فرص إقامة نظام “توازن للقوى” في المنطقة، فضلاً عن انخراط تلك الدول في تحالفات ومنظمات مختلفة في توجهاتها، الأمر الذي يمنعها من تحقيق المواءمة الأمنية فيما بينها، خاصة وأنها كانت مسرحاً لحروب طاحنة كالحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، وغزو الكويت (1991)، وغزو العراق (2003) الذي غيّر توازنات المنطقة لصالح إيران.

وبناء على هذه المعطيات؛ استبعد بيورن إمكانية إقامة نظام وفق مفهوم القوة أو وفق هيمنة طرف خارجي، واقترح بديلاً يتمثل في إيجاد آلية تجمع الحلفاء والخصوم في توافقات تتمتع بالشرعية الدولية، وتحظى بتعاون المنظمات الإقليمية والدولية الفاعلة.

وفي 2006؛ قدم مايكل نايتس نظرة أكثر شمولاً، تمثلت في اقتراحه استبدال السياسات التقليدية، القائمة على “العمودين المتساندين” (twin pillars) بمبدأ الارتكاز على: “مجموعة أعمدة” (multi pillars) تتوزع فيها المسؤوليات وتقل فيها نسب المخاطرة.

وظهرت عقب ذلك العديد من الدراسات الأمنية، إلا أن معظمها كان ينزع إلى التحليل السياسي وتقييم الأوضاع الأمنية وتحليل تبعاتها، دون أن يرقى أيٌ منها إلى مستوى تقديم نماذج أمنية شاملة، ولذلك فإن المباحث التالية ستحاول تقديم بعض التطبيقات، والمعايير التي يمكن الاستناد عليها لإنشاء نظام أمن إقليمي عربي.

الرؤية

شباب سوري واعٍ، يشارك في صنع القرار السياسي، ويسهم في صياغة مستقبله، وينافس في شتى ميادين التنمية، لتحقيق ما يتطلع إليه لرفعة وطنه وازدهار مجتمعه

الرسالة

مركز فكر إلكتروني يعمل على إدماج الشباب السوري في مجالات صنع القرار، واحتضان طاقاتهم الكامنة وإبداعاتهم الفكرية والبحثية، وتمكينهم من المساهمة الفاعلة في التنمية وبناء المجتمع، عبر التأسيس لثقافة التميز، وتحفيز المسؤولية، وترسيخ روح المبادرة، لدفعع مسيرة التقدم والازدهار

المشرف العام: د. بشير زين العابدين

وسائل التواصل الاجتماعي

جميع الحقوق محفوظة – شارك شباب © 2021