إستراتيجيات إدارة لصراع

تغير مفهوم "الحرب"

راوحت النظريات الكلاسيكية في إطار التعريفات التقليدية للحرب باعتبارها: “نزاعاً مسلحاً بين دولتين أو أكثر من الكيانات، بهدف إعادة تنظيم الجغرافيا السياسية، للحصول على نتائج معينة”.

ويدخل في هذه الإطار التقليدي؛ المعارك التي تشن عبر القوات المسلحة بين الدول، و”حروب العصابات”، و”الحروب الأهلية”، و”حروب الوكالة”، و”الحرب الباردة”، إضافة إلى الحروب التي تخاض بالأسلحة الفتاكة كالحرب البيولوجية والحرب الكيميائية.

إلا أن التطورات التكنولوجية فتحت المجال لأنواع أخرى من الحروب مثل؛ “حرب الفضاء الإلكتروني”، و”حرب الإنترنت” التي تنطوي على إجراءات دولة قومية أو منظمة دولية بهدف مهاجمة نظم المعلومات التابعة لدولة أخرى أو محاولة إلحاق الضرر بها، و”حرب المعلومات” المتمثلة في تطبيق القوة المدمّرة على نطاق واسع ضد نظم المعلومات ومواردها، وأجهزة الكمبيوتر، والشبكات الداعمة للبنى التحتية الحيوية كالشبكة الكهربائية، والاتصالات، والأموال، والنقل، حيث يُقدّر حجم الخسائر الناتجة عن تلك الأعمال غير القانونية بأكثر من ترليون دولار سنوياً كقيمة ملكية فكرية، وسرقة التصاميم المتطورة كالطائرات والمسيرات.

وتمثلت الظاهرة التقنية الأخطر في: “تسليح الفضاء الحاسوبي”، والذي ظهر للمرة الأولى عام 2010 من خلال عملية “سرية” قامت من خلالها الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية بتطوير برنامج عرف باسم “ستكسنت” (stuxnet)، واستخدمته لتخريب وحدات الطرد المركزية في المفاعلات النووية الإيرانية، ونجحت في إحداث نشاط حركي في العالم الحقيقي وليس في العالم الافتراضي، متسببة في خروج الآلات عن السيطرة وتدمير نفسها.

ومنذ ذلك الحين، غير فيروس “ستكسنت” قواعد اللعبة السيبرانية بشكل كامل، إذ بدأت الدول تضيف إلى مخزونها التقليدي؛ أسلحة تقنية، وطائرات مسيرة، وأسلحة سيبرانية، بحيث لم تعد تقنيات التخريب السيبراني تقتصر على الفضاء الإلكتروني فحسب، بل باتت تُستخدم لإحداث أضرار فعلية في العالم الحقيقي.

وبالإضافة إلى تسليح الفضاء الإلكتروني؛ يُتوقع أن تُحدث الأسلحة الموجهة باستخدام أشعة الليزر والطاقة الموجهة تحولات كبيرة على مستوى إدارة وتكاليف الاشتباكات المستقبلية، بالإضافة إلى الطباعة ثلاثية الأبعاد، والتي تتمثل في تحويل “البيتات” (bites) إلى “ذرات” (atoms) يتم من خلالها إنتاج أشياء ملموسة باستخدام مختلف المواد كالبلاستيك والتيتانيوم، ويعتبر كثير من المحللين أن الطباعة ثلاثية الأبعاد قد دشنت دخول البشرية في التصنيع الرقمي المباشر، وأدخلتها في تقنيات الصراع، وخاصة في مجالات: البرمجة العسكرية، وتصميم وتصنيع الأسلحة المتطورة بما في ذلك تصنيع وتطوير الطائرات المسيرة.

ويتزايد اليوم عدد الجيوش التي تقوم بتطوير منظومات الصراع من خلال توظيف التقنيات الحديثة، حيث يعتمد 87 جيشاً على منظومات جوية غير مأهولة (طائرات آلية مسيرة)، ويمتلك نحو 100 جيش برامج حرب سيبرانية، منها 20 جيشاً لديهم قدرات سيبرانية متطورة.

وقد أحدثت تلك الطفرة التقنية تحولات كبيرة في أنماط الحروب، على مستوى الدول وعلى مستوى الجماعات، خاصة وأن العديد من الميلشيات باتت تستخدم تقنيات لم تتمكن بعض الجيوش العربية المترهلة من مواكبتها بعد.

مشكلة الفراغ الإستراتيجي

ترى العديد من الدراسات المعاصرة استحالة إنشاء نظام إقليمي مستقر في المنطقة العربية لأنها تحولت إلى “بيئة حرب” (war zone) نتيجة ما أفرزته حقبة الثورات الشعبية (2011-2022) وما تسببت به من فوضى عارمة، ولذلك فإنه من غير الممكن إنشاء نظام إقليمي وفق المواصفات التي تم طرحها في الفصول الماضية، بل يجب أن تكون الأولوية لبرامج تحقيق السلم الأهلي، وتوفير الظروف المواتية لاستعادة الأمن.

وللفصل بين مختلف الآراء المتضاربة حول طبيعة المرحلة التي تمر بها المنطقة العربية، يتعين تحليل المرحلة التي وصل إليها الصراع، من خلال آلية القياس التالية:

1- مرحلة نزاع المجتمع مع الدولة (statism)، والتي أنهت احتكار السلطة للقوة، وحدّت من قدرتها على تسوية النزاعات بالقسر، حيث باتت العديد من المجموعات السكانية مسلحة، وقادرة على تحدي الدولة. 2- مرحلة الصراع المجتمعي (populism) والتي تراجع فيها دور الدولة، مقابل احتدام الصراع بين مختلف الفئات المجتمعية التي تناقضت مصالحها وتعارضت رؤاها.

3- مرحلة تعدد أطراف الصراع (pluralism) والتي اتسمت بتعدد الفاعلين المحليين والإقليميين، والقوى العابرة للحدود، وما في حكمها من إثنيات وطوائف شكلت ميلشيات مسلحة وأسهمت في تأجيج الصراع.

4- مرحلة الأزمة الدولية (international crisis) المتمثلة في التدخلات الخارجية التي أخرجت الصراع من إطاره المحلي، ونقلته إلى مستوى العالمية.

كما يمكن استخدام حزمة معايير أخرى لتحديد الأطوار التي مرت بها صراعات المنطقة، ومعرفة إذا ما كانت قد نضجت بالقدر الملائم لمعالجتها، ومن ضمن تلك التصنيفات، ما يلي:

1- صراع عنيف: تورطت فيه النُظُم الاستبدادية بارتكاب أفعال سببت الإيذاء الجسدي والنفسي والاجتماعي والبيئي للشعوب، وأججت الأزمة عبر احتكار العنف المسلح واستخدامه ضد الجماهير.

2- صراع مسلح: نتج عن تسليح بعض الدول الخارجية عدداً من المجموعات المحلية، ولجوء سائر أطراف الصراع إلى استخدام القوة المسلحة، وفق قواعد الاشتباك المتعارف عليها في المعارك بين الدول.

3- صراع دولي: تمثل في تدخل عدد من الدول الخارجية، والأطراف الفاعلة دون الدول، بحيث تحولت الثورات الشعبية إلى صراع دولي تتنازع فيه أطراف خارجية على المصالح ومناطق النفوذ.

وفي هذا النمط من الصراع المركب يتعين تبني إستراتيجيات مغايرة، تتضمن تحليل الصراع، الذي يقوم في الحالة العربية على الأضلاع الثلاثة التالية:

1- اتجاهات الصراع: والتي تتضمن استقراء رؤية مختلف الأطراف لأدوارهم الخاصة، ونظرتهم لمآلات الصراع، والأهداف التي يسعون إلى تحقيقها.

2- سلوك الأطراف المتصارعة: بما في ذلك الممارسات العنيفة، والأدوات الاقتصادية، والحملات الإعلامية، واستشراف المدى الذي يمكن أن تصل إليه الأطراف في سلوكها.

3- السياق: الذي يتطلب وضع نمط هيكلي يتضمن مسببات الصراع، والاستقطابات الفكرية والمذهبية، وتحولات منظومات القيم والمفاهيم الحقوقية، وغيرها من السياقات المترادفة التي تسهم في تحديد وتيرة الصراع.

مع التأكيد على أن حالة الصراع مستدامة في سائر النظريات، وهي ظاهرة شاملة زماناً ومكاناً، إذ إنه من غير الممكن إنهاؤها بصورة مطلقة، وبالتالي فإن المعالجة الأنسب في مثل هذه الحالة تتمثل في إعمال أدوات فض النزاع، والحد من آثاره السلبية، وإدارته عبر التوفيق بين المصالح المشتركة، والحد من الاشتباكات المسلحة عبر اللجوء إلى التفاوض والدبلوماسية.

صراعات "ما دون الدولة"

مثّل عام 2011 النقطة الفاصلة ما بين منظومات الصراع الكلاسيكي في الدولة العربية، وما بين آليات الصراع الحديث، حيث أسهم الانسحاب الأمريكي من العراق في تعزيز الفراغ الأمني، وعزز دور إيران التي مارست عبر أذرعها الخارجية نفوذاً كبيراً في عواصم عربية كبغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وقامت بتسليح الجماعات الطائفية المعارضة في العديد من الدول الأخرى.

ونتج عن تلك التدخلات تنامي أدوار الميلشيات المسلحة التي عمدت إلى تشكيل “أجنحة” سياسية تنشط في شتى قطاعات العمل المدني، وفي ساحة التنافس الحزبي، وشاركت في الانتخابات الوطنية، حيث تولى بعض عناصرها مناصب وزارية وإدارية وبرلمانية مستندين إلى الدعم والتمويل الخارجي.

وبالإضافة إلى التغول الإيراني في المنطقة العربية، أسهمت الاحتجاجات الشعبية وسوء إدارة النُظُم الاستبدادية لأزماتها في إضعاف الأمن الإقليمي، ونتج عن ذلك نشوء منظومة إقليمية (2023) معقدة، تقوم على نماذج مشوهة من الدولة، أبرزها:

  • دولة فيها حكومة لكنها غير قادرة على الحكم (government without governance) (سوريا).
  • دولة تتمتع بحدود رسمية لكنها مقسمة داخلياً إلى كيانات شبه مستقلة (العراق).
  • دولة تمارس فيها القوى الفاعلة خارج إطار الدولة دوراً أكبر من الدولة نفسها (لبنان).
  • دولة متشظية، غير قادرة على فرض حكم مركزي، وتخوض صراعات داخلية مع منافسيها (ليبيا).
  • دولة تقوم فيها حكومتان تقتسمان الرقعة الجغرافية وتتصارعان على الشرعية والنفوذ (اليمن).

وفي ظل ذلك المشهد المعقد، تخفق النظريات التقليدية في وضع آليات ناجعة لإدارة تلك الصراعات، خاصة وأن فشل الجمهوريات العربية المعاصرة قد عاد بالمجتمعات العربية إلى أنماط صراع ما قبل الدولة، حيث تتحارب القوى: القبلية، والإثنية، والمناطقية، والدينية، والطائفية، في معارك عبثية تدمر البنى التحتية وتستنزف الموارد والثروات.

وكشف تعامل الدول الاستبدادية مع الاحتجاجات الشعبية عن تفوق مفهوم “أمن السلطة” على “أمن الدولة” في العالم العربي، إذ لم تتوانى أجهزة الأمن في بعض الجمهوريات العربية عن ارتكاب الانتهاكات الممنهجة والقمع المنظم ضد المدنيين، بهدف المحافظة على سيطرة النخب الحاكمة، حتى ولو أدى ذلك إلى تقويض الدولة.

وعلى الرغم من العنف المفرط الذي مارسته أجهزة الأمن في بعض الجمهوريات العربية؛ إلا إنها كانت أبرز الخاسرين في حقبة “الربيع العربي”، حيث فشلت في تطوير آليات عملها، ولم تتمكن من مواكبة التحولات، بل آثرت الاستمرار في ممارسة العنف المفرط ضد المدنيين، كوسيلة وحيدة لحماية النخب الحاكمة.

وفي مقابل ترهل أجهزة الأمن، تنامت أدوار الاستخبارات التابعة لجماعات ما دون الدولة، بحيث بات بعضها يمتلك القدرة على توظيف التكنولوجيا الحديثة في مجالات: جمع المعلومات، والقيام بأعمال التحليل والاستشراف، وتوظفها في إضعاف الدولة بدلاً من تقويتها، وفي إذكاء الصراعات الداخلية بدلاً من حسمها، معتمداً على التمويل والدعم السخي من بعض الدول الكبرى.

وفي ظل تراجع أدوار مؤسسات الأمن التابعة للدول؛ يُتوقع أن تُشعل الشركات الأمنية الخاصة المزيد من الصراعات، وأن تستمر في تنفيذ أجندات خارجية تحقق مصالح الجهات الممولة لها.

وبالإضافة إلى تدهور القطاع الاستخباراتي؛ تراجعت أدوار المؤسسات العسكرية التي استُنزف معظمها في انقلابات عسكرية، وحروب أهلية، وصراعات داخلية، ما أدى تراجع أعداد القوات المسلحة وتدهور أدائها، خاصة وأن جيوش الجمهوريات العربية تعتمد على نظام التجنيد الإجباري الذي فقد فاعليته في ظل حركات اللجوء والنزوح والهجرة التي تعتبر الأضخم في العالم.

وفي مقابل ذلك التراجع؛ تنامت أدوار الميلشيات المسلحة، التي كسبت خبرات واسعة في تشغيل المنظومات الصاروخية والطائرات المسيرة، إضافة إلى اعتماد الدول الخارجية على تلك الميلشيات في مهام الدعم المدني الذي يتطلب أفراداً لا يستخدمون الأسلحة ولا يشاركون في الأعمال القتالية.

النظريات الحديثة وتطبيقاتها في إدارة الصراع

تدعونا تلك التطورات للتأكيد على عدم فاعلية النماذج التقليدية في إدارة الصراعات، وضرورة تبني إستراتيجيات بديلة تتواءم مع الصراعات المركبة والمتشابكة في المنطقة، والتي يمكن حصرها في الأنماط التالية:

 

 

وبالإضافة إلى ضرورة امتلاك مهارات إدارة الصراعات الحديثة وإتقان تقنياتها المتطورة، يتعين على القوى الفاعلة أن تعمل وفق مجموعة مهمة من القواعد الحاكمة لإدارة الصراع بين الأطراف الإقليمية، أبرزها:

القاعدة الأولى: تجنب تحويل الاختلاف بين القوى الصديقة والحليفة في مناهج معالجة الأزمات إلى صراعات رديفة، خاصة وأن الرؤى والتحليلات بشأن تفسير ظاهرة الصراع وآليات التعامل معه تتعدد وتختلف من مدرسة إلى أخرى، ولتفادي تحول اختلاف الرؤى وآليات المعالجة إلى صراعات رديفة، يتعين إيجاد الأطر المشتركة من منظور تطبيقي ومفاهيمي على حد سواء.

القاعدة الثانية: التوصل إلى الحد الأدنى من المبادئ التي يمكن لسائر الأطراف أن تعمل تحت مظلتها، إذ إن اصطلاح مختلف الأطراف على منظومة من المبادئ سيقلل من فرص اندلاع الصراع العنيف.

القاعدة الثالثة: العمل من خلال خارطة تشمل سائر أطراف المعادلة، وتحديد الوضع الحالي والتموضع المأمول، وما تقتضيه عملية الوصول إلى مستوى التكافؤ والقدرة على اتخاذ القرار المستقل.

القاعدة الرابعة: تحديد نمط التعامل مع مختلف القوى وفق نسق “إدارة العلاقات” من خلال أجندة تهدف إلى تعزيز قدرات الأطراف على الصمود، وتجنب تحولها إلى مجرد أدوات يتم استخدامهم من قبل قوى خارجية في حروب الوكالة.

القاعدة الخامسة: استبعاد سيناريوهات تحقيق نصر حاسم على سائر أطراف الصراع في معركة صفرية، والعمل وفق إستراتيجية تهدف إلى تحقيق أكبر قدر من المكاسب ودرء أكبر قدر من الخسائر، وذلك من خلال توظيف الأدوات المتاحة كسياسات الردع، والحد من التسلح، والتحالفات العسكرية، والاتفاقيات، والمعاهدات، والحوافز، والمنظمات الإقليمية وشبه الإقليمية، وغيرها من أدوات الدبلوماسية المباشرة والوسيطة.

وعندما تتمكن القوى الفاعلة من الاصطلاح على الحد الأدنى من المبادئ التي يمكن التوافق عليها، يصبح المجال مفتوحاً لتفكيك الصراع وفق الخطوات التالية:

م

مفردات المعالجة

1

تغيير الأولويات فيما يتناسب مع ديناميكية الصراع وتنوع مساراته.

2

جعل الأهداف محددة قابلة للتحقيق بدلاً من التوسع فيها وفق منطلقات إنشائية.

3

تحديد المدى الذي يمكن أن تصل إليه أطراف النزاع في تعاملها، وتقييم مخاطر الاحتمالات المتاحة.

4

توسيع دائرة دعم القرار وتعزيز الظهير الشعبي.

5

استدراج الخصوم نحو السيناريوهات التي يمكن إدارتها، وعدم التورط في معارك يصعب خوضها.

6

الإبقاء على جميع الخيارات مفتوحة، وعدم الانجرار خلف الضغوط المفروضة.

7

البحث عن مخارج غير مذلة في الصراعات غير المتكافئة، وتفادي تقديم تنازلات كبيرة.

8

إحكام السيطرة على عملية اتخاذ القرار وإيجاد نمط من الانضباط بين مختلف الجهات الفاعلة.

9

توفير الروافد المعلوماتية اللازمة لتقييم خيارات التصعيد والتهدئة واتخاذ القرارات الصائبة.

 نموذج تفكيك الصراع

 

ولا شك في أن غياب الكوادر المحترفة في مجالات إدارة الصراع قد جعل معظم الجمهوريات العربية الطرف الأضعف في الصراع الدولي، واللاعب الخاسر في الصراع المجتمعي.

نهاية مفهوم "الصراع الصفري"

بالإضافة إلى الصراعات الداخلية والتوتر الإقليمي؛ مثّل العالم العربي خلال القرن الماضي حلبة صراع دولي، تدخلت فيه العديد من القوى الخارجية.

إلا أن التوقعات المستقبلية تشير إلى انتهاء مفهوم “الصراع الصفري” الذي يتم من خلاله استئصال الخصم والقضاء عليه بالكلية، وذلك نتيجة عجز القوى الكبرى عن تحقيق انتصارات نهائية في حروب الألفية، فيما تستمر القوى المهزومة بشن عمليات استنزافية تمتد لسنوات طويلة.

فعلى الرغم من استخدام القوة المدمرة، والأسلحة التي لم يُعرف لها مثيل في التاريخ البشري في معارك القرن الحادي والعشرين، إلا أن الولايات المتحدة قد وجدت نفسها مضطرة للخروج من العراق (2021) وأفغانستان (2022)، بعد أن أنفقت نحو 1,6 ترليون دولاراً من ميزانيتها على الحروب في البلدين المنكوبين، فيما تستمر معضلة أمن الممرات المائية في المنطقة على الرغم من انقضاء أكثر من 28 عاماً على نهاية حرب الخليج الأولى (1991).

وينتشر اسم “الحرب الطويلة” للإشارة إلى “الحرب على الإرهاب”، والتي لا تزال قاصرة دون تحقيق أهدافها على الرغم من إنفاق واشنطن نحو 6 ترليون دولاراً في محاربة “الجماعات الإرهابية” عبر العالم دون التمكن من إعلان النصر عليها.

وإذا أضفنا تقديرات خسائر حروب “الربيع العربي”، فإنه من الواضح أن المشكلة لا تقتصر على إحصاء خسائر الحروب الحديثة فحسب، وإنما في استدامة الأزمات الناتجة عن تلك الحروب وعدم القدرة على حسمها، إذ تشير الدراسات الاستشرافية إلى أنه لم يعد من الممكن كسب أية حرب مستقبلية نظراً لتعقد المشهد الدولي وتداخل أطراف الصراع، بل يتوقع أن تزيد وتيرتها نتيجة تنامي الاعتماد الدولي على جماعات ما دون الدولة من ميلشيات طائفية وعشائرية وإثنية لخوض الصراعات نيابة عن الدول التي ستنأى بنفسها عن خوض الحروب وتكتفي بتوفير التمويل لتلك الجماعات المتصارعة.

وبالنظر إلى تردي المؤسسات العسكرية في المنطقة؛ فإنه من المتوقع أن يتحول الصراع من الحروب بين الجيوش النظامية (الحروب المتماثلة) إلى الحروب بين المجموعات السكانية (الحروب اللامتماثلة)، والتي ستعتمد بصورة أساسية على المواجهات المباشرة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة دون اللجوء إلى الأسلحة الثقيلة والدفاعات الجوية، في حين ستقتصر الدول الكبرى على نشر منظومات الردع وتقنيات التشويش والطائرات المسيرة في شن عمليات محدودة دون الرغبة في شن المزيد من الحروب، ما يضعنا أمام حسابات مختلفة تماماً في سبيل تحقيق الأمن الوطني والإقليمي.

الرؤية

شباب سوري واعٍ، يشارك في صنع القرار السياسي، ويسهم في صياغة مستقبله، وينافس في شتى ميادين التنمية، لتحقيق ما يتطلع إليه لرفعة وطنه وازدهار مجتمعه

الرسالة

مركز فكر إلكتروني يعمل على إدماج الشباب السوري في مجالات صنع القرار، واحتضان طاقاتهم الكامنة وإبداعاتهم الفكرية والبحثية، وتمكينهم من المساهمة الفاعلة في التنمية وبناء المجتمع، عبر التأسيس لثقافة التميز، وتحفيز المسؤولية، وترسيخ روح المبادرة، لدفعع مسيرة التقدم والازدهار

المشرف العام: د. بشير زين العابدين

وسائل التواصل الاجتماعي

جميع الحقوق محفوظة – شارك شباب © 2021