العدالة الانتقالية هي مقاربة لتحقيق العدالة في فترات الانتقال من النزاع أو قمع الدولة، وذلك من خلال محاولة تحقيق المحاسبة وتعويض الضحايا، حيث تقدّم العدالة الانتقالية اعترافاً بحقوق هؤلاء الضحايا وتشجّع الثقة المدنية، وتقوّي سيادة القانون والديمقراطية. كما تُعرف بأنها مجموع الآليات والمسارات القضائية وغير القضائية الهادفة إلى مساعدة مجتمع شهد حكماً دكتاتورياً أو نزاعاً على التعامل مع ماضيه وإعادة بناء دولة القانون.
وعرف الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي أنان العدالة الانتقالية على أنها: “إدارة العدالة خلال فترة الانتقال، وتتضمن: جملة المسارات والآليات التي يبذلها المجتمع لمحاولة وضع حد لانتهاكات الماضي واسعة النطاق، وذلك بهدف تحديد المسؤوليات وإرساء العدالة وتحقيق المصالحة”.
يُرجع بعض الباحثين أصل مفهوم العدالة الانتقالية إلى محاكم نورنبيرغ (1945)، حيث عمدت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية إلى توسيع نطاق آليات القانون الجنائي في حينها، لتُمكن من محاكمة قيادات عسكرية وسياسية بعينها في النظامين النازي والياباني، مما كان له أثر في تعزيز الوعي الحقوقي على المستوى الدولي، وبروز فعاليات مؤسسية على المستوى الدولي جعلت القضية الحقوقية عبر العالم قضيتها الأولى.
تهدف العدالة الانتقالية إلى الاعتراف بما اقتُرف من انتهاكات لحقوق الانسان ودمج معاناة الضحايا ضمن الذاكرة الوطنية، وتحقيق المصالحة بين المواطنين ومؤسساتهم، وضمان عدم إفلات الجناة من العقاب وترسيخ ثقافة المسؤولية الجنائية لدى الدولة ومؤسساتها، وتحديد المسؤوليات، والتأكد من عدم تكرار الانتهاكات، وجبر الضرر، وإعادة الثقة للضحايا في الدولة والمجتمع وفي قدرتهما على حمايتهم، وهي قيم حيوية للتماسك المجتمعي والاستقرار.
وفي حالة عدم تحقيق العدالة الانتقالية، فإن المجتمع سيشهد انقسامات كبيرة، وسينتج عن ذلك غياب الثقة بين المجموعات السكانية بمؤسّسات الدولة، فضلاً عن عرقلة الأمن وتعطل مسيرة التنمية وضعف سيادة القانون وتغلب نزعة العنف.