كيف تستحوذ على مصادر القوة في مشروعك السياسي؟

أدب السجون

«لماذا لا يقرأ الجلادون والحكّام التاريخ؟ لو قرأوا جزءاً من الأشياء التي يجب أن يقرأوها، لوفّروا على أنفسهم وعلى الآخرين الشيء الكثير، ولكن يبدو أن كل شعب يجب أن يدفع ثمن حريته، والحرية، أغلب الأحيان، غالية الثمن».[1]
يختم الروائي السعودي عبد الرحمن منيف، بهذه العبارة مشاهد من سنوات قضاها شاب ثلاثيني مُلاحقاً ثم سجيناً سياسياً في بلد عربي شرق البحر الأبيض المتوسط، لم يحدده أو يذكر السياق السياسي الذي جرت خلاله أحداث الرواية التي تعتبر من بواكير مصنفات «أدب السجون» في المنطقة العربية، رغم أن نقاد الرواية قالوا إن ما جاء فيها «غير كاف» في وصف أساليب التعذيب والقهر، التي مورست على سجناء الرأي في البلدان العربية.
ويُعرّف أدب السجون بأنه: «الأدب المكتوب عندما يكون الكاتب مقيداً في مكان ضد إرادته، مثل السجن أو الإقامة الجبرية، ويمكن أن تكون الأدبيات حول السجن، أو عن مرحلة قبله، أو مكتوبة أثناء إقامة الكاتب في السجن، وإما أن تكون مذكرات أو قصص أو محض خيال». 
وعلى الرغم من وجود مصنفات تاريخية ضخمة على المستوى العالمي، إلا أن الأدب العربي المعاصر يزخر بكم كبير لأدباء وكتاب وسياسيين تحدثوا عن فترات اعتقالهم وتعذيبهم في سجون الاستبداد، حيث راكمت التجارب السياسية العربية إرثاً تراجيدياً صور معاناة الأحزاب والجماعات في تعاملها مع السلطة ضمن ثقافة «أدب السجون»، وتتضمن سجلاً واسعاً بالانتهاكات التي مارستها نظم الاستبداد ضد معارضيها منذ خمسينيات القرن المنصرم.
ويكشف «أدب السجون» العربي عن حالة مفرطة من السادية السياسية التي يتوجب تحليلها لمعرفة سبل مكافحتها ومنع تكرارها، كما يتعين الاستفادة من أخطاء تلك المرحلة كلجوء بعض الجماعات إلى العنف السياسي، والدخول في المقابل ضمن صراعات محسومة ضدهم من مفهوم «التضحية والفداء»، دون أن تحقق تلك التضحيات أية مصالح على صعيد الشعب أو المجموعة. 
وبالإضافة إلى الدور الرئيس للاستبداد في تسطير ذلك السجل المخزي للجمهوريات العربية المعاصرة في انتهاك الكرامة الإنسانية، يأتي عامل سوء تقدير القوة والعجز عن حيازة أدواتها لدى بعض جماعات وأحزاب المعارضة في تأجيج العنف، والتسبب في معاناة الآلاف من المدنيين، حيث ارتكبت خطأ شنيعاً يتمثل في ممارسة العنف السياسي ضد فئات من الدولة والمجتمع متسببة بردود أفعال نتج عن بعضها وقوع حروب أهلية في بعض الدول، وشن السلطات العسكرية حملات قمع عشوائي ضد المدنيين في دول أخرى.
وللخروج من تبعات الحقبة الاستبدادية، يتعين التأسيس لمرحلة جديدة من العمل السياسي تقوم على دعامتين رئيستين هما: القوة والممارسة، وذلك بالاعتماد على أطروحات المدرسة «الواقعية» التي توفر أرضية مهمة لاستيعاب القوة بمفهومها الشامل وسبل حيازتها، معتبرة أن «الظاهرة السياسية» ترتكز على ثلاثة أسس رئيسة هي: «المصلحة» و«القوة» و«التأثير»، وتتحدد المصلحة في إطار القوة التي تتحدد بدورها في نطاق التأثير والسيطرة.
والقوة السياسية بهذا المفهوم ليست مرادفة للعنف، بل تمتد لتشمل العوامل الاقتصادية والثقافية والفكرية التي تحدد حجم الكيان السياسي وإمكاناته وبالتالي تأثيره السياسي.
وتتطلب عملية حيازة القوة دراسة مكامنها، والمصادر التي يمكن أن تتوفر فيها على المستوى القومي، والتي تشمل: السكان، والموارد الطبيعية، والموقع الإستراتيجي، والتطور التقني، والإنتاج الصناعي والزراعي، ونظم الحكم، ومؤسسات الدولة، والدعاية والرأي العام.
وترى هذه المدرسة أن الدولة ـ  مثل الإنسان ـ  لديها نزعة غريزية للحصول على موارد القوة وفرض السيطرة على الجماهير وإخضاعها، وقد يتحقق التوازن بين القوى لفترة مؤقتة، إلا إنه توازن مؤقت في مقابل التنافس الدائم والمستمر، ما يدفع لاتخاذ إجراءات تمنع الدولة من التغول وممارسة القوة، وذلك من خلال استحداث نظم الرقابة على الأداء الحكومي، والقضاء المستقل.
ومن الضروري لأية جهة تنخرط في العمل السياسي حيازة قدر معين من القوة التي تُمكنّها من التأثير في المجتمع، ومن الترويج لأفكارها، وطرح رؤاها الإصلاحية، ومن المشاركة في الشأن لعام، وذلك من خلال توظيف القوة كوسيلة وليس كهدف بحد ذاته.

مفهوم القوة

تُعرّف القوة بأنها، «القدرة على التأثير في الغير، وحمل الآخرين على التصرف بطريقة تضيف إلى مصالح مالك القوة».
وعرفها آخرون بأنها: «المشاركة الفعالة في صنع القرارات المهمة في المجتمع».
وترتبط بعدة مفاهيم أخرى مثل، «السلطة»، و«النفوذ»، و«القهر»، و«التأثير»، و«الإرغام»، وغيرها من المصطلحات التي تستخدم في الثقافة المعاصرة كمترادفات أو كعناصر لتحليل القوة.
وبناء على هذا التعريف فإن القوة تتمثل في تسعة عناصر رئيسة هي.

شكل: عناصر القوة الوطنية

وقسمها آخرون إلى خمسة أصناف:
1 ـ  قوة سياسية.
2 ـ  قوة دبلوماسية.
3 ـ  قوة اقتصادية.
4 ـ  قوة عسكرية.
5 ـ  قوة معنوية.
وظهر في مطلع التسعينيات تصنيف آخر يضع القوة ضمن دائرتين رئيستين هما: «القوة الناعمة» التي تقوم على أسس اعتبارية ومعنوية، و«القوة الخشنة» ذات الطابع المادي الملموس الذي يُمكّنها من ممارسة الإجبار.

مراحل القوة

يتفق المحللون على أن القوة ديناميكية وليست جامدة، ولها مكونات وتفاعلات ومردودات، وتمر في حالة تغير مستمر، بحيث يمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل رئيسة:
1 ـ  مرحلة القوة الكامنة: وتتمثل في وجود العديد من عناصر القوة التي لا يتم توظيفها، وتتزامن مع حالة من الجمود في المشهد السياسي، حيث تدرك القوى الفاعلة وجود مكامن مهمة للتأثير لكنها لا تمتلك الرغبة أو القدرة على الاستفادة منها أو تطويرها.
2 ـ  المرحلة الانتقالية: والتي تتزامن مع تطورات مهمة على الصعيد المجتمعي، بما في ذلك الزيادة السكانية الكبيرة، أو زيادة مستوى الوعي والثقافة، أو تنامي مفهوم المشاركة الشعبية لدى أبناء المجتمع، أو توفر الموارد على مستوى وطني أو محلي، بما يسهم في زيادة الدخل وقدرة المجتمعات على التحرك والفاعلية في الشأن العام، فضلاً عن نمو المشاركة القومية على الصعيد الوطني، والتي تدفع بالجموع للتحرك رغبة في تحقيق مصالح مشتركة أو للقضاء على مظاهر التسلط والاستبداد.
3 ـ  مرحلة نضج القوة: وتتحقق هذه المرحلة عندما ترقى الشعوب إلى مستوى الحدث، بحيث تتمكن مختلف القوى الفاعلة من تحقيق التواصل فيما بينها، وتمتلك القدرة على اتخاذ المبادرات وإسماع صوتها على الصعد الوطنية والدولية.
وتوصف السلطة في مرحلة الهيمنة بأنها «قوية وقانعة» إذ إنها لا ترغب في تغيير الأوضاع، بل تعمل على المحافظة على الوضع القائم لحماية مصالحها، وتستطيع المحافظة على ذلك الوضع ما دامت قادرة على توزيع المنافع بصورة تضمن بقاءها.
ومع تآكل السلطة الاستبدادية واندلاع الصراع بين أقطابها، تعمل القوى المجتمعية الفاعلة على امتلاك المزيد من عناصر القوة بحيث تتحول تدريجياً من قوى «غير قوية وغير قانعة»، إلى قوى «قوية وغير قانعة»، وذلك بالقدر الذي يُمكّنها من تغيير الأوضاع لصالحها، وينشأ الصراع آنذاك بين القوى القانعة التي لا ترغب في التغيير وبين القوى غير القانعة التي ترغب في التغيير.
ومن المثير للسخرية في مشهد الصراع اليوم هو ارتكاز القوى المهيمنة على تحالفات مع فئات مجتمعية تصنف بأنها «ضعيفة وقانعة» بحيث يتم تسليطها على الفئات غير القانعة في المجتمع، وتتقوى السلطة بهذا الصراع الذي تذكيه بين أطراف المجتمع، متذرعة بضرورة بقائها للفصل بين المتصارعين، ودورها في الحفاظ على المكتسبات ومنع الفوضى والعنف.
إلا إن المحافظة على حالة الاستحواذ هو أمر متعذر في «الظاهرة السياسية»، إذ تنزع السلطة إلى ممارسة العنف الرسمي وفرض المزيد من الاستحواذ والاحتكار، ما يؤدي إلى ضيق تلك المجموعة، واتساع رقعة معارضتها في الدوائر الشعبية وكذلك في دوائر النخب، بحيث تظهر طبقة غير قانعة، تعمل على انتزاع مصادر القوة من السلطة.
وبخلاف الحجج الواهية التي تسوقها السلطة الاستبدادية لاحتكار القوة كتحقيق السلم الأهلي، يرتبط السلم في حقيقته بمفهوم القناعة وليس بمفهوم الاحتكار، إذ إن القوة الحقيقية تكمن في شعور الجماهير بالرضا عن أداء الدولة في المحافظة على مصالحها وتطوير مواردها فيما يحقق الصالح العام، وليس من خلال الكبت والاضطهاد الذي قد تستجيب له الشعوب لفترة ما، لكنها تبقى متربصة ريثما تتغير الموازين وتمتلك «القدرة» أو «الاستطاعة» على تغيير السلطة الاستبدادية.

القوة الناعمة

وهو مفهوم صاغه الباحث الأمريكي في جامعة هارفارد، جوزيف ناي، في كتابه الصادر عام 1990 بعنوان: «مقدرة للقيادة: الطبيعة المتغيرة للقوة الأميركية»، ثم قام بتطوير المفهوم في كتابه الصادر عام 2004، بعنوان: «القوة الناعمة: وسائل النجاح في السياسة الدولية»،[1]  وتحدث فيه عن القدرة على الجذب والضم دون الإكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع.
وانتشر هذا المصطلح بعد ذلك للإشارة إلى وسائل التأثير على الرأي الاجتماعي والعام وتغييره عبر قنوات أقل شفافية نسبياً، وإلى آليات الضغط من خلال المنظمات السياسية وغير السياسية، حيث تحدث الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني هو جينتاو عام 2007 عن حاجة الصين إلى زيادة قوتها الناعمة، وتحدث وزير الدفاع الأميركي الأسبق روبرت غيتس  عن الحاجة إلى تعزيز القوة الناعمة الأمريكية عن طريق «زيادة الإنفاق على الأدوات المدنية من الأمن القومي بالدبلوماسية، والاتصالات الإستراتيجية، وتقديم المساعدة الأجنبية، وإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية»، ووفقا لمسح «مونوكل» للقوة الناعمة (2018-2019)، فإن فرنسا تتبوأ المركز الأول في حيازة مصادر القوة الناعمة، تليها ألمانيا، ثم اليابان، وكندا، وسويسرا، وبريطانيا.[2]
وتتطلب «القوة الناعمة»   وجود قوة روحية ومعنوية للدولة من خلال ما تجسده من أفكار ومبادئ وأخلاق، ومن خلال تبنيها لمفاهيم حقوق الإنسان، والبنى التحتية، والثقافة، والفن، ما يدفع القوى الأخرى إلى احترام هذا الأسلوب والإعجاب به ثم اتباع مصادره.
واعتبر ناي القوة الناعمة سلاحاً مؤثراً يحقق الأهداف عن طريق الجاذبية والإقناع بدل الإرغام أو دفع الأموال، مؤكداً أن موارد القوة الناعمة لأي بلد هي ثقافته إذا كانت تتمتع بالقدر الأدنى من الجاذبية والقيم السياسية عندما تطبق بإخلاص داخلياً وخارجياً، إضافة إلى السياسة الخارجية.
ورأى الكاتب أن مصدر قوة الولايات المتحدة، على سبيل المثال، لا تقتصر على قواتها المسلحة، بل في مجموعة من الدواعم لهذه القوة، ومنها اجتذاب أكبر نسبة من المهاجرين، ومن الطلبة الدارسين الذين يحملون الكثير من القيم والمبادئ الأمريكية، ويمكن أن يكونوا سفراء للثقافة الأمريكية، خاصة إذا سيطروا في دولهم على مراكز القرار، كما تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى في الفوز بجوائز نوبل في الفيزياء والكيمياء والاقتصاد، وتشكل مبيعاتها من المؤلفات الموسيقية الضعف مقارنة مع اليابان التي تحتل المرتبة الثانية، وتعتبر أمريكا أكبر مصدر للأفلام والبرامج التلفزيونية في العالم.
ويرى الكاتب أن حسم الصراعات بالقوة العسكرية وحدها أصبح أمراً من الماضي، خاصة وأن الانفتاح وقوة وسائل الاتصال والبرمجيات قد تشكل عائقاً يحول دون شن حروب جديدة، ما يدفع إلى اعتماد إستراتيجية القوة الناعمة لضمان حلفاء جدد، ليس من خلال إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الدول فحسب، بل من خلال مد العلاقات مع شعوب تلك الدول.
ويرى ناي أن مفهوم القوة تحول بصورة كبيرة في السنوات الماضية، حيث ارتبط في مراحل سابقة بالقسر والإكراه وإجبار الآخرين على القيام بأمور معينة من خلال استخدام القوة العسكرية على سبيل المثال، إلا أن دور القوات المسلحة تراجع بصورة كبيرة بحيث أصبح يقتصر في الكثير من الحالات على الزجر أو الردع أو الاستخدام المحدود، وذلك مقابل إسهام الثورة الرقمية في تعزيز دور القوة الناعمة عبر أساليب: الإقناع، والدعاية، والتصوير، للتأثير على سلوك الجماهير وإقناعهم بتبني مفاهيم جديدة دون الحاجة للجوء إلى القوة الصلبة.
وتعتمد القوة الناعمة على ثلاثة موارد رئيسة هي:
1 ـ  ثقافة البلاد: وما تتضمنه من مكونات جاذبة للآخرين من خلال، المعلومات المتوفرة في مختلف أنواع العلوم، وأدوار النخب من المثقفين والأساتذة والطلبة، وقدرة الثقافة الشعبية القائمة على إمتاع الجماهير، والفن، والأفلام، والرياضة، وإمكانية توظيفها في تغيير القناعات والأفكار وإيصال المعلومات.
2 ـ  قيمة السياسة: وتتمثل في مجموعة القيم التي تُقدّمها الدول، كالحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، وغيرها من مصادر الجذب، مثل: محاربة العنصرية، وتعزيز الأخلاقيات السياسية، خاصة عندما تُطبق بإخلاص في الداخل والخارج.
3 ـ  السياسة الخارجية: عندما يراها الآخرون مشروعة، وذات سلطة معنوية أخلاقية، كمساهمة الدول المتقدمة في التنمية الاقتصادية للشعوب الفقيرة، وتقديم المساعدات الدولية، ومحاربة الارهاب، ونشر السلام

عناصر القوة بمفهومها الشامل

بعيداً عن نظريات القوة وتطبيقاتها في مجالات التسلح والتوازن والردع، يتعين على العاملين في أي مشروع سياسي العمل على حيازة أكبر قدر من مصادر القوة المحلية، إذ إن الهدف الأسمى للعمل السياسي هو تحقيق الممارسة السلمية والقبول المجتمعي عبر وسائل الإقناع وليس من خلال أدوات الإكراه.
ويمكن تلخيص أبرز مصادر القوة على الصعيد الوطني فيما يلي:
– قوة الخطاب (الإعلام): امتلاك الأدوات التي تساعد على رسم صورة إيجابية للعمل بين المجتمعات، ويتطلب ذلك عدة إجراءات منها: حيازة تقنيات الخطاب العام، وإقامة علاقات تعاون مع المؤسسات الإعلامية، وتمكين الشباب من المساهمة الإعلامية وتوفير التدريب اللازم لهم للقيام بذلك.
– القوة الاقتصادية (تنمية الموارد المالية): من خلال تأطير وتنظيم قطاعات الإنتاج المحلي والمساعدات والهبات غير المشروطة، والتحالف مع المؤسسات الاقتصادية التي يمكن أن تسهم في تعزيز البرنامج السياسي.
– القوة الشعبية (الامتداد الشعبي): عبر صياغة إستراتيجية لتعزيز العلاقات المجتمعية، وصياغة أنماط مختلفة من الخطاب للفئات المؤيدة والمعارضة والمحايدة، والوصول إلى مختلف المناطق، وتخفيف حالة الريبة والعداء من قبل الأطراف غير المنسجمة مع البرنامج السياسي أو تلك المختلفة من حيث الانتماء المجتمعي.
– القوة السياسية (التحالفات الإستراتيجية والتحالفات المرحلية): لا تستطيع القوى الفاعلة تحقيق أهدافها في معزل عن محيطها، وبالتالي فإنه لا بد من صياغة نسق شامل للتحالف أو التعاون أو التكامل مع مختلف القوى السياسية الفاعلة، ومؤسسات المجتمع المدني، والفعاليات والقوى المجتمعية للتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك.
– القوة البنيوية (تعزيز البنية التنظيمية): يفرض تسارع الأحداث وعمق التحولات على سائر القوى الفاعلة في المشهد السياسي مراجعة نُظُمها الهيكلية والإدارية، وتطويرها وتحديثها، وضخ الدماء الجديدة فيها لضمان استمراريتها.
– القوة الفكرية (مراجعة المنطلقات الفكرية وتحديثها وفق المستجدات): شهدت مرحلة «الربيع العربي» حراكاً جماهيرياً ضخماً أفضى إلى الكثير من الدمار والفوضى نتيجة غياب الترشيد، ما يؤكد ضرورة قيام الحركات السياسية والنخب المؤثرة بمراجعة منطلقاتها الفكرية، وتسويق رؤاها بصورة مبسطة تضمن القبول والانتشار.
– القوة البشرية (تنمية المهارات): وذلك من خلال تنفيذ برامج تطوير القدرات، وتأهيل الأجيال الشبابية، وتعزيز قدراتهم عبر عقد الدورات التدريبية في: العمل السياسي، والإستراتيجيات الدولية، والنظم الانتخابية، والعمل الدبلوماسي، والمهارات الشخصية.
– القوة المعلوماتية: الاستفادة من ثورة الاتصالات والمعلومات وتطور أدواتها في قراءة الواقع وتقييم المرحلة، والتعامل مع المستجدات بمهنية واحتراف، وتأسيس مراكز بحثية وفكرية، وأجهزة للرصد المعلوماتي والبحث العلمي.

شكل: عناصر القوة للمشروع السياسي

جدول: إجراءات حيازة مصادر القوة

الاستخدامات الخاطئة للقوة

على الرغم من أهمية نظريات القوة وضرورة دراستها من قبل جميع القوى الفاعلة في المشهد السياسي، إلا أن هنالك مفاهيم خاطئة لا بد من تصحيحها فيما يتعلق بالعلاقة بين السلطة والمجتمع، أبرزها:
1 ـ  ربط مفهوم «المصلحة» بمفهوم «القوة»: وهما أمران غير متلازمان بالضرورة، فقد تستخدم بعض الجهات الفاعلة القوة وفق مفاهيم خاطئة، أو لدوافع اعتقادية أو نخبوية (لتأمين هيمنة عرقية أو إثنية أو طائفية) فيما يتعارض مع المصلحة الوطنية، ولذلك فإنه لا بد أن تسبق تطبيقات القوة دراسات متأنية لتشخيص «المصلحة الوطنية» التي يربطها البعض بالهيمنة والاستحواذ وليس بالتكافؤ والتوازن والعدالة المجتمعية.
2 ـ  اعتبار تحقيق «الهيمنة على مصادر القوة» بأنه أفضل وسيلة لتحقيق السلم المجتمعي: حيث أثبتت أحداث القرن الماضي، أنه من المتعذر على أية جهة أن تحقق الاحتكار الكامل للقوة، وبدلاً من محاولة الهيمنة والاستحواذ، يتعين تأسيس نظم حكم وإدارة تضمن التوزيع العادل ليس للثروة فحسب، بل كذلك للقوة المتمثلة في الصلاحيات والتأثير والنفوذ، والتي تستبدل حكم الفرد بحكم المؤسسات، وتنشئ النظم الرقابية والقضائية لكبح جماح الشق التنفيذي ومنعه من توسيع دائرة نفوذه على حساب المجتمع.
3 ـ  تعدد تطبيقات القوة وممارساتها: ليس بالضرورة أن تندرج صراعات القوة داخل إطار السلطة، إذ شهدت العديد من الدول العربية محاولة بعض الفئات الاستحواذ على مصادر القوة وتوظيفها لتدمير كيان الدولة أو لتحقيق مصالح فئوية تتعارض مع مصالح الأغلبية، فضلاً عن خضوع بعض الحركات السياسية لسلطة خارجية، واستدراجها لخدمة أجندات غير وطنية لصالح دولة أخرى، ويأتي ذلك في الغالب على صورة محاولة طائفة أو مجموعة إثنية فرض سيطرتها على المجموعات الأخرى في المجتمع.
4 ـ  سباق التسلح: المتمثل في التنافس بين الدول الكبرى لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، وخاصة منها الأسلحة النووية التي تشكل خطراً كبيراً على مستقبل البشرية بأسرها، إذ لا تنحصر مخاطر استخدامها على المنطقة المستهدفة، بل يمتد ضررها لمناطق شاسعة. وكان أول ظهور حديث لهذه الأسلحة عام 1937، ثم استخدمتها الولايات المتحدة ضد اليابان، وقتلت ما يصل إلى 140.000 شخص في هيروشيما، و80.000 في ناغازاكي عام 1945، واستمرت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في تطوير تلك الأسلحة طوال فترة الحرب الباردة تبعتها بريطانيا وفرنسا والهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل، وتشير تقديرات رسمية إلى امتلاك الدول النووية نحو أربعة آلاف قنبلة في حالة تشغيلية، وتستحوذ أمريكا وروسيا على نحو 90 بالمئة من المخزون العالمي.
وبالإضافة إلى السلاح النووي تنتشر أنماط أخرى من أسلحة الدمار الشامل، وعلى رأسها الأسلحة الكيميائية والإشعاعية، بالإضافة إلى الأسلحة البيولوجية التي تنشر الكائنات المُسببة للأمراض، وكذلك المُنتجة للسموم وذلك بهدف قتل البشر، والحيوانات، والنباتات.
وشهدت الحرب العالمية الأولى الاستخدام المفرط لتلك الأسلحة، حيث استخدم الألمان ضد أعدائهم الجمرة الخبيثة، و«الرعام»، و«الكوليرا»، في حين أقامت القوات اليابانية في الحرب العالمية الثانية مُنشأة بحثية سرية للأسلحة البيولوجية ونفذت أبحاثاً وتجارب على السُجناء، وعَرّضت أكثر من ثلاثة آلاف ضحية للطاعون، والجمرة الخبيثة.
وفي الفترة المعاصرة لجأت بعض الأنظمة العربية، وعلى رأسها النظام السوري، إلى استخدام الأسلحة البيولوجية والكيميائية لقتل أعداد كبيرة من المدنيين، وعلى الرغم من إدانتهم بارتكاب جرائم حرب، لم يتخذ المجتمع الدولي أية إجراءات جادة لوقف تلك الانتهاكات المروعة التي راح ضحيتها آلاف الأبرياء.
وتدفع الانتهاكات المروعة التي مارستها مختلف الأطراف الفاعلة بصورة ممنهجة في مرحلة «الربيع العربي» إلى التذكير بضرورة استعادة البعد الأخلاقي للظاهرة السياسية والعمل على إعادة تصحيح مسار العملية السياسية، وسن القوانين والتشريعات التي تحمي المواطنين من الانتهاكات الرسمية والقمع الممنهج، وتجعل تحقيق الأمن البشري وأمن المجتمع على رأس أولوياتها
[1]   عبد الرحمن منيف (1975) شرق المتوسط، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.

Joseph s. Nye, Jr (2004) Soft Power: The Means to Success in World Politics, Public Affairs, New York.

وتوجد ترجمة له بالعربية بعنوان: «القوة الناعمة، وسيلة النجاح في السياسية الدولية»، ترجمة محمد توفيق البجيرمي، تقديم عبد العزيز الثنيان، مكتبة العبيكان، 2012.

[1]  Soft power survey 2018/2019, https://monocle.com/film/affairs/soft ـ power ـ survey ـ 2018 ـ 19/
 

الرؤية

شباب سوري واعٍ، يشارك في صنع القرار السياسي، ويسهم في صياغة مستقبله، وينافس في شتى ميادين التنمية، لتحقيق ما يتطلع إليه لرفعة وطنه وازدهار مجتمعه

الرسالة

مركز فكر إلكتروني يعمل على إدماج الشباب السوري في مجالات صنع القرار، واحتضان طاقاتهم الكامنة وإبداعاتهم الفكرية والبحثية، وتمكينهم من المساهمة الفاعلة في التنمية وبناء المجتمع، عبر التأسيس لثقافة التميز، وتحفيز المسؤولية، وترسيخ روح المبادرة، لدفعع مسيرة التقدم والازدهار

المشرف العام: د. بشير زين العابدين

وسائل التواصل الاجتماعي

جميع الحقوق محفوظة – شارك شباب © 2021