كيف تروج مشروعك السياسي؟

الظاهرة الترامبية

ي حملته الانتخابية المثيرة للجدل (2016م)، استعرض دونالد ترامب جمعاً من مؤيديه قائلاً:
«هذا عدد كبير… الآلاف منكم يتجمعون، بخلاف جميع التوقعات… لم أرَ تجمعاً مثل هذا من قبل».
لكن الحقيقة هي أن الجموع التي تبجح بها ترامب آنذاك جاءت تلبي دعوة شركة علاقات عامة تعهدت بدفع 50 دولاراً لكل شخص يتجمهر أمام برجه، وأعطتهم الشعارات الانتخابية، ولقنتهم العبارات التي يجب أن يرددوها أثناء خطابه حول حاجة الولايات المتحدة إلى قيادة جديدة.[1]
لم يطل اعتماد ترامب على شراء المؤيدين بعد ذلك، بل نصحه المحيطون به للاتجاه نحو شبكات التواصل الاجتماعي، والاعتماد على القاعدة الجماهيرية لليمين الأمريكي، والاستعانة بمشاهير في عالم التواصل الاجتماعي لترداد شعاراته الانتخابية وإطلاق عبارات التأييد لمفهوم اختيار قيادة جديدة للولايات المتحدة، وبالفعل، خاض ترامب حملته الرئاسة في منأى عن القاعدة الشعبية للحزب الجمهوري، مستنداً إلى القاعدة «الشعبوية» ذات التوجه اليميني المناهض للهجرة وللأقليات الإثنية.
وعلى إثر تنصيبه الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية (20 يناير 2017)، شرع عدد من المحللين في تفسير «ظاهرة ترامب» التي كشفت عن متغيرات كبيرة في بنية المجتمع الأمريكي، حيث استطاع الرئيس الجديد أن يعبر عن حالة الغضب والاستياء الذي يشعر به عدد كبير من الناخبين من البيض، والذكور، والطبقة الوسطى، وغيرهم من الفئات التي كانت تشعر بأنها تعيش حالة من الحرمان والتهميش من قبل كلا الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، ما يعني أن السياسية الأمريكية قد انحرفت من مؤسساتها التقليدية نحو الشعبوية، وأن الحزبين الرئيسين سيواجهان في المستقبل المزيد من التراجع إذا لم يعيدا تنظيم قاعدتيهما بشكل كامل وجذري.
ولعل أبرز ما كشفته «ظاهرة ترامب» هو ضعف المؤسسات السياسية والإعلامية في الولايات المتحدة، وعجزها عن مخاطبة الجماهير، حيث فرض ترامب نفسه كزعيم شعبوي يتمتع بالثراء والشهرة، ولجأ إلى أدوات «الكاريزما» والخطاب «الديماغوجي» الشعبي، مستخدماً قنوات الشهرة الإعلامية.
وأمعن ترامب في إضعاف الحزب الجمهوري الذي كان يعاني من انقسامات كبيرة، عبر استبعاد رموزه من فريقه، والاستعانة بفريق من مشاهير الإعلام اليميني، ومن أعضاء عائلته، وجماعات المصالح الخاصة المتنوعة، حيث كشف الباحث الأمريكي نيال فيرغسون أن ترامب كان يعتمد على شبكة ضخمة من نحو 1500 مؤسسة وشخصية متحالفة معه في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية بالولايات المتحدة،[2] ودفعه ذلك للاتجاه نحو قطاع

التوظيف السلبي للإعلام الاجتماعي

في هذه الأثناء، كانت السلطات السياسية في العالم العربي تعمل على اختراق الشبكات الاجتماعية من خلال توظيف «البروباغاندا» السياسية، والتي تُعرّف بأنها: «جهد ثابت ودائم لإنشاء أو صياغة الأحداث للتأثير على العلاقات العامة لمؤسسة أو مجموعة أو فكرة»، ويتم من خلالها نشر المعلومات بطريقة موجهة وأحادية المنظور، وإرسال مجموعة مركزة من الرسائل بهدف التأثير على آراء أو سلوك أكبر عدد من الأشخاص.
كما وظفت بعض مؤسسات الإعلام الرسمية العربية في العقد الثاني من الألفية تقنيات التأثير على الحشود لشن حرب نفسية على خصومها عبر الاستعمال المخطط والمُمنهج للدعاية، واللجوء إلى مختلف الأساليب النفسية في معارك تحمل سمات متعددة أبرزها: «حرب الأفكار»، و«الحرب الإيديولوجية» و«الحرب العقائدية»، و«حرب الأعصاب»، وذلك من خلال شن هجوم عنيف على المخالفين لتشويه سمعتهم وإضعاف تأثيرهم على الجماهير.
وتوصف «البروباغاندا» بأنها مضادة للموضوعية في تقديم المعلومات، إذ إنها تعتمد على بث معلومات ناقصة أو كاذبة للتأثير على المجتمع، ومن أهم أساليبها: القولبة والتنميط، وتسمية الأشياء بغير مسمياتها، وإطلاق الشعارات، والتكرار، والاستفادة من الشخصيات اللامعة، والهجوم الشخصي على الخصوم بدلاً من مناقشة الأفكار، وإثارة الغرائز وادعاء إشباعها (مثل الحب، والكره، والحقد، والعداوة) وتصريفها بطريقة مغايرة للقيم المعتبرة.
ويمكن تفصيل أبرز تقنيات «البروباغاندا» الموجهة فيما يلي:
شكل: تقنيات البروباغاندا.

وفي ظل الخبرات التي راكمتها بعض الحكومات العربية في التأثير على الحشود، لم تتمكن القوى المجتمعية الجديدة، المندفعة بشتى الاتجاهات، من الارتقاء لمستوى المواجهة، بل وقعت ضحية خطاب التفتيت الذي انتهجه الإعلام الرسمي، ما أدى إلى بروز ظواهر سلبية خلال الفترة: 2011 ـ 2020، أبرزها:

 ـ  تنامي المجال العام (public sphere) خارج الإطار الرسمي، حيث تعاني الصحافة الورقية من الاضمحلال، والقنوات الفضائية الرسمية من منافسة القطاع الخاص، إضافة إلى استحواذ العالم الافتراضي على الاهتمام الشعبي في تبادل الأخبار والمعلومات والتفاعل والحشد والتعبير الحر

 ٢- تزايد مظاهر الفوضى والانقسامية في المجتمع، وتشتت الخطاب الإعلامي بصورة غير مسبوقة، وخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تتصارع آلاف الحسابات الوهمية في صراع استقطاب يصعب ضبطه من حيث المستوى أو المعايير.[1]

 

وفي ظل الخبرات التي راكمتها بعض الحكومات العربية في التأثير على الحشود، لم تتمكن القوى المجتمعية الجديدة، المندفعة بشتى الاتجاهات، من الارتقاء لمستوى المواجهة، بل وقعت ضحية خطاب التفتيت الذي انتهجه الإعلام الرسمي، ما أدى إلى بروز ظواهر سلبية خلال الفترة: 2011 ـ 2020، أبرزها:

1 ـ  تنامي المجال العام (public sphere) خارج الإطار الرسمي، حيث تعاني الصحافة الورقية من الاضمحلال، والقنوات الفضائية الرسمية من منافسة القطاع الخاص، إضافة إلى استحواذ العالم الافتراضي على الاهتمام الشعبي في تبادل الأخبار والمعلومات والتفاعل والحشد والتعبير الحر.

2 ـ  تزايد مظاهر الفوضى والانقسامية في المجتمع، وتشتت الخطاب الإعلامي بصورة غير مسبوقة، وخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تتصارع آلاف الحسابات الوهمية في صراع استقطاب يصعب ضبطه من حيث المستوى أو المعايير.[1]

مهارات التأثير في الحشود

وفي مقابل اضمحلال الدور السياسي لوسائل الإعلام التقليدية، يُتوقع أن تحتدم معركة كسب العقول والقلوب على الإعلام الرقمي، وستكون الغلبة فيها لمن يملك مهارات «التأثير في الحشود» (Crowd manipulation)، والتي تُعرّف بأنها: «الاستخدام المتعمد للتقنيات المبنية على مبادئ علم نفس الحشود للمشاركة، والتحكم، أو التأثير على رغبات الجماهير من أجل توجيه سلوكهم نحو اتخاذ إجراءات محددة»، وتستخدمه السلطات السياسية بهدف السيطرة على الحشود لاحتوائها ومنعها من القيام بأعمال جامحة وغير مشروعة مثل أعمال الشغب والنهب.
وفي ظل تدهور الخطاب الرسمي في الجمهوريات المتداعية، تظهر حاجة ملحة لتوفير بدائل ناضجة تتقن فنون مخاطبة الجماهير، وتوجيه الشباب للعمل على استعادة اللحمة الوطنية ورأب الصدوع المجتمعية التي أحدثتها فترة «الربيع العربي»، وما نتج عنها من صراعات مزقت النسيج الوطني، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال إكساب الشباب الفاعل مهارات مخاطبة الحشود والتأثير فيها لتوصيل أفكاره من خلال مأسسة تلك الأعمال، ووضعها في إطار وطني جامع يرتكز على ثلاثة أسس رئيسة هي:
1 ـ  مخاطبة الضمير الجماعي: (الوعي الجماعي) وهو مصطلح يستخدم في علم النفس للإشارة إلى المعتقدات والمواقف الأخلاقية المشتركة والتي تعمل كقوة لتوحيد المجتمع، وتتمثل في البحث عن القواسم المشتركة لأفراد المجتمع على اختلاف انتماءاتهم وأعراقهم، ومخاطبتهم من خلالها، بحيث يتم توظيف المُثُل الدينية والتاريخية والثقافية والمصالح المشتركة في أدوات الخطاب، مما يسهم في خلق حالة من التضامن الاجتماعي.
2 ـ ممارسة التفكير الجماعي: (التفكير بصوت مرتفع) وتتم في الغالب عبر استقطاب النخب والفئات المؤثرة في المجتمع، للتوصل إلى توافقات تُسهم في تقريب وجهات النظر، والتوصل إلى توافقات عبر تحليل وتقييم الأفكار دون التجريح الشخصي للمحافظة على روح الجماعة
3 ـ  توظيف «علم نفس الحشود»: والذي يقوم على أساس التشابه بين التفكير الفردي مع نمط تفكير المجموعة الأكبر، ويسعى إلى توظيف السمات العامة للفرد بهدف مخاطبة الحشد (من خلال تشخيص نموذج للشخصية الوطنية)، ويمكن من خلالها توظيف حالة اللاوعي عند الجموع بهدف تحقيق الإرادة الوطنية أو الإجماع الشعبي، وتتضمن استخدام الأدوات التالية:
شكل: أدوات التأثير في الحشود.
.
ويدخل ضمن إطار التأثير في الحشود مفهوم «الدعاية السياسية» التي تُعرّف بأنها: «محاولة التأثير على الرأي العام وعلى سلوك المجتمع»، وتنطلق من شعارات ورموز موجهة تهدف للتأثير على موقف الجماهير إزاء قضايا معينة.
وكانت العديد من الدول قد لجأت إلى «الدعاية السياسية» لدعم مجهوداتها الحربية وحسم معاركها ضد خصومها، وخاصة في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ثم تنامت ظاهرة الدعاية السياسية في مرحلة الباردة، حيث تم إنشاء وكالات كبرى تتولى تسيير الإعلام الموجه، وأصبحت الدعاية السياسية منذ ذلك الحين فن يمارسه الساسة للتأثير عل الرأي العام، بحيث أصبح لكل حزب أو تنظيم برنامج دعائي خاص به.
وتنقسم الدعاية السياسية طبقاً لمضمونها إلى ثلاثة أقسام:
 ١. الدعاية البيضاء: وهي النشاط العلني الهادف إلى تحقيق أهداف معلنة، كالدعاية التي يقوم بها نظام سياسي لتضخيم نجاحاته
 ٢.  الدعاية السوداء: والتي لا تكشف عن مصادرها، بل يتم بثها في صفوف القوى المعادية بهدف إشاعة الفتن والتشويش على الرأي العام
٣.  الدعاية الرمادية: وهي الدعاية المعلنة التي تخفي أهدافاً غير معلنة
وعلى الرغم من انخراط الملايين من الشباب العربي في الحراك الشعبي، إلا أن ذلك لم يتواكب مع تطور مهارات الدعاية السياسية لديهم، ودفع ذلك بالإعلام الرسمي لتبني سياسة «الدعاية التحريضية» المتمثلة في: «حث الجماهير على القيام بعمل معين أو الامتناع عن عمل معين»، واستخدامها بصورة سلبية، مقابل الدعاية السياسية المعتمدة على الحقائق.

المساهمة في صياغة السياسات العامة

أسفر تداعي الجمهوريات العربية عن مشهد انقسامي ظهر من خلاله ضعف الخبرات الشبابية في مجال التأثير في الشأن العام، وخاصة فيما يتعلق بالسياسات العامة (public policy) وهي القرارات التي تمس شؤون العامة في جميع مناحي الحياة.
وتحكم السياسات العامة نظريات متعددة وتجارب متباينة تتناول آليات اتخاذ القرار، وخاصة فيما يتعلق بطبيعة المدخلات، والقيم، والفئات المتحكمة، وبنمط النظام الذي يمر القرار من خلاله، وتتميز السياسات العامة بأنها تصدر من سلطة شرعية، وتحمل صفة الإلزام، وتؤثر على جميع السكان، ولذلك فإنه لا بد من وضع آليات لترشيد عملية اتخاذ القرار وجعلها تصب في الصالح العام بدلاً من أن تخدم فئات محدودة.
ونظراً لأن مجال المشاركة في صياغة السياسات العامة أو التأثير فيها قد بقي مغلقاً لفترة طويلة عن الجماهير، فإن هنالك حاجة كبيرة لرفد الأجيال المقبلة بمهارات التأثير في صياغة القرار فيما يحقق المصلحة العامة، وذلك من خلال العناصر التالية:
شكل: العوامل المؤثرة في صياغة السياسات العامة.
وتتطلب المساهمة الفاعلة في صياغة السياسات العامة مهارات متعددة في مجالات: العمل السياسي، والإعلامي، والقضائي، والبحثي، والاستقصائي، والإداري، والتخطيط، وغيرها من التخصصات التي تتطلب تنفيذ مشاريع تهدف إلى تمكين الأجيال المقبلة من المشاركة الإيجابية والفاعلة في الصالح العام، وذلك بهدف حمايتها من اللجوء إلى العنف وإثارة الفوضى في حال غياب المؤسسات الناظمة للتعبير السلمي.

إدارة التسويق السياسي

يُعرّف التسويق السياسي بأنه: «مجموعة من الأنشطة التي تستهدف تعظيم وتنظيم عدد المؤيدين لمرشح سياسي أو لحزب معين أو برنامج أو فكرة معينة، بما في ذلك الدعم المادي الجماهيري، باستخدام كافة وسائل الاتصال الجماهيري، أو أية وسائل أخرى ضرورية».
ويختلف التسويق السياسي عن إدارة الحملات الانتخابية من حيث عدم ارتباطه باستحقاق انتخابي معين أو بفترة زمنية محددة، وإمكانية استخدام كافة وسائل الاتصال الجماهيري، للتعريف بمختلف القضايا التي لا تعمل ضمن برنامج انتخابي، والتي لا تهدف بالضرورة إلى كسب أصوات الناخبين، بل تنطلق من الاستجابة للحاجات الشعبية ومعالجتها دون الرغبة في الوصول للسلطة كخيار أوحد للجماعة السياسية.
ويمثل التسويق السياسي مكوناً أساسياً من الحياة السياسية المعاصرة، حيث ظهر كنشاط منفصل في مطلع التسعينيات، ثم انتشر بصورة كبيرة في العقدين الماضيين، وذلك على خلفية تراجع شعبية الأحزاب السياسية، وازدياد الفجوة بين الجمهور والمؤسسات الرسمية في الغرب.
في هذه الأثناء، برزت تيارات متباينة في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وغيرها من الدول، في مجالات التسويق للخدمات المجتمعية، وصناعة المنتج السياسي، وتقديم المرشحين والقيادات، وطرح المنتجات السياسية، وتوظيف، الفنون، والعادات، والتقاليد المجتمعية، ومهارات التواصل، ومخاطبة الجماهير.
وفي ظل إخفاق الأحزاب السياسية على المستوى العالمي وتراجع شعبيتها وجماهيريتها، تنامت الحاجة إلى الترويج للزعامات التي تتمتع بالكاريزما والقدرات القيادية من خلال تنمية شعبيتها مباشرة لدى الجماهير، وليس من خلال الترويج للحزب أو لسياساته.
ومع نهاية القرن الماضي أصبحت عملية التسويق السياسي المعتمدة على تقنيات الاتصال المعاصرة من أهم الصناعات في الغرب، حيث بلغ دخلها في الولايات المتحدة نهاية عام 1996 نحو ستة مليارات دولار، ما أدى إلى ظهور شركات متخصصة تتعامل مع مختلف الفئات المجتمعية من منظور «المستهلك»، من حيث دراسة القضايا التي تجلب اهتمام المواطن العادي، ونظرته نحو تأمين مستقبل عائلته، ومدينته، ومنطــقته، ووطنه، وتقصي سبل إقناع الجماهير من خلال إعلانات تتسم بالواقعية وتتجنب المبالغة والتهويل.
ويقوم التسويق السياسي على مزيج من، التسويق، والاتصال السياسي، والإعلام، والعلاقات العامة، ويتجه بصورة أكبر نحو مفهوم التسويق التجاري في الغرب، بحيث باتت الأحزاب الكبرى تخطط للانتخابات من خلال تحليل «السوق الانتخابي»، وتعتمد على شركات كبرى تعمل في مجالات العلاقات العامة والتسويق، وإدارة الحملات الانتخابية، وتطوير مضمون الرسائل السياسية في المجال العام وتقييم أثرها.
وتهدف عملية التسويق السياسي لإنتاج حملة ترويجية تستقطب الاهتمام الشعبي من خلال ثلاثية:
= الشمول: والذي يقضي بطرح مختلف القضايا المتعلقة بالشأن العام واقتراح سبل معالجتها عبر برنامج متكامل.
= العمق: المتمثل في تعدد أنماط المعالجة وقدرتها على حل المشكلات العالقة بصورة مقنعة.
= الترابط: عبر استخدام عدة وسائل لمخاطبة مختلف الفئات المجتمعية ضمن إطار مشترك.
ويتكون البرنامج التسويقي في المجال السياسي من عدة مفردات، أبرزها:
1 ـ  البرنامج السياسي للحزب.
2 ـ  الصفات الشخصية والسلوكية والخطابية والعلمية لقادة الحزب.
3 ـ  الانتماء العائلي أو الشخصي أو الديني أو الإثني للشخصيات القيادية.
4 ـ  منجزات الحزب وتاريخه السياسي.
5 ـ  مصالح الجهات الممولة لعملية التسويق.
6 ـ  مخاطبة حاجات ورغبات مختلف الفئات المجتمعية.
7 ـ  رسائل تطمينية تعالج مخاوف الجماهير.
8 ـ  المنتج السياسي المتمثل في الأفكار الجديدة التي يتم طرحها للتعامل مع التحولات والمستجدات.
9 ـ  التشكيك بقدرات المنافسين، من خلال إنشاء فارق واضح بينهم في القدرة والكفاءة والأداء.
10 ـ  الاستعانة بالمعلومات والأرقام والجداول وغيرها من الوسائل المساعدة في إقناع الجماهير.
وعلى الرغم من تطور هذا الفن في الممارسة السياسية الغربية، إلا أنه لا يزال في مرحلة التشكل في العالم العربي، حيث يسود مفهوم «البروباغاندا» الخادم للحزب الحاكم، وتنشغل المؤسسات الإعلامية في تمجيد السلطة السياسية عبر البرامج والأغاني الوطنية والأهازيج الشعبية وما إلى ذلك من وسائل لا تتواءم مع عمق التحولات التي تشهدها المنطقة العربية، ويمكن تحديد أربعة أنماط للعملية التسويقية السياسية في المجال العام العربي هي:
1 ـ  التسويق السياسي الكلي أو الشامل: والذي يهدف للترويج لكيانات بأكملها، حيث تستخدم بعض الدول إستراتيجيات التسويق السياسي، بدلاً من الترويج لمفاهيم الإصلاح السياسي.
2 ـ  تسويق المؤسسات السياسية: على الرغم من أن هذا النمط يشكل أحد الميادين الأساسية في التسويق السياسي في الغرب، إلا إنه لا يزال يُمارس بصورة بدائية في العالم العربي، وذلك نتيجة عدم تمكن الأحزاب والجماعات السياسية من إدخال تقنيات محلية في سياق آليات التنافس الجديدة للتعبير عن ذاتها.
3 ـ  تسويق السياسات: والذي يرتبط بالمبادرات الخارجية وبمشاريع الإصلاح الدولية، ويتم تقديمه من خلال منظمات المجتمع المدني الممولة من قبل منظمات دولية، والتي لم تتمكن حتى اليوم من استيعاب مقتضيات علمية الاتصال السياسي في المجتمعات العربية.
4 ـ  تسويق الرموز السياسية: والتي تتمثل في الترويج لبعض الرموز السياسية المحسوبة على تيارات فكرية أو مذهبية من خلال المزاوجة بين التقنيات الجديدة والمكونات المجتمعية التقليدية.
جدير بالذكر أن الانتصار في العملية الترويجية لا يقتصر بالضرورة على الفوز في الانتخابات أو في تولي الحكم، بل ربما يتمثل في قدرة الجماعة على الترويج لأفكارها، أو زيادة عدد أعضائها والمتعاطفين معها، أو قناعة الجمهور برسالتها وأهدافها، بحيث تتمكن من تشكيل شبكة جماهيرية واسعة النطاق.

جدول: إستراتيجية الترويج السياسي.

وبعيداً عن الحملات الانتخابية والتنافس بين المرشحين، يبرز دور التسويق السياسي كقوة ناعمة يتم من خلالها استمالة الرأي العام، وبث رسائل إيجابية وجديدة، وتقريب المسافات بين الحركات السياسية والجمهور، خاصة وأن الثورة الرقمية قد ضاعفت من قدرة تلك الجهات على الوصول إلى الجماهير، وذلك من خلال مصادر المعلومات المفتوحة (OSINT) ووسائل الإعلام الاجتماعي (SOCMINT)، والاستخبارات الاجتماعية (COMMUNIT) التي فتحت آفاقاً واسعة في عالم التسويق ومخاطبة الجماهير وتطوير المحتوى السياسي والترويج له، حيث تنتشر حملات التسويق السياسي بصورة أكبر في المنطقة العربية، إلا إنها لا تزال تقوم على الانتقائية وتبتعد عن مفهوم الإصلاح السياسي، متخذة -في الغالب- أشكال العولمة السياسية والاندماج في السوق العالمي.
ويتنامى النقد لممارسات «التسويق السياسي» باعتبار أنها تُفرغ العملية السياسية من مضمونها، وتسعى إلى شراء وعي الناس بدلاً من لفت انتباههم نحو رؤى سياسية جديدة، أو تطوير قدراتهم نحو مشاركة سياسية أو تنموية حقيقية، وتحولها إلى نمط من النشاط السياسي ـ التجاري القائم على الترويج وشراء الخدمات الاستشارية.
يضاف إلى ذلك عجز القائمين على بعض حملات الترويج عن تشكيل خطاب ينبع من الهوية المحلية ومضامينها الثقافية والاجتماعية، واعتمادهم على أنماط غربية في عالم التسويق، وارتهانهم بالمال السياسي الخارجي الذي يدفع باتجاه نزعات «تحررية» تقوم على تضخيم بعض الممارسات المجتمعية، ويتنافى في مفاهيمه مع ثقافة المجتمعات العربية وتقاليدها.
 

إدارة الحملات الانتخابية

تُعرّف الحملات الانتخابية بأنها: «تحضير المرشّحين والأحزاب السياسية لعرض أفكارهم ومواقفهم في مختلف القضايا العامة على الناخبين في الفترة السابقة ليوم الانتخابات».
وتختلف عن الترويج السياسي، بأنها ترتبط بفترة زمنية محددة هي الحملة الانتخابية، وبهدف محدد يتمثل في الوصول إلى السلطة أو إلى قبة البرلمان، ويعتبر التوقيت الرسمي للحملة الانتخابية ملزماً في القانون، حيث تنتهي الفسحة القانونية لتمويل الحملات قبل يوم أو يومين من اليوم الانتخابي، وتسود بعدها فترة «صمت انتخابي» تستمرّ حتى ما قبل المباشرة بالتصويت.
ويستخدم المرشّحون مجموعة من التقنيات للوصول إلى الناخبين ومخاطبتهم بشتى الوسائل المتاحة، كما تقوم الأحزاب بإنشاء مراكز تنفذ من خلالها نشاطات الحملة الانتخابية.
وفي مقابل الإجراءات القمعية التي تفرضها السلطات الاستبدادية في العالم العربي، تشهد العملية الانتخابية في الدول المتقدمة قدراً عالياً من التنافسية تمنح المرشّحين فرصاً عادلة لعرض مواقفهم على المواطنين والتنافس على أصواتهم، وتضمن تساوي الفرص والموارد للمرشحين، حيث يتاح لهم الظهور في الإعلام الرسمي لفترات متساوية، وتضع الجهات المنظمة ضوابط للعملية الانتخابية تشمل، تحديد مواعيد الحملات الانتخابية الرسمية، وسن القوانين الناظمة للحملات، وتوفير المعلومات الرسمية حول نشاطات الأحزاب والمرشّحين، وسبل الاستفادة من وسائل الإعلام والمرافق العامة
 
وتقوم العملية الانتخابية على ثلاثة أسس رئيسة هي:
1 ـ  المرشح.
2 ـ  الإستراتيجية.
3 ـ  التمويل.
وتُستخدم تقنيات متطورة في مجالات تكنولوجيا المعلومات لإدارة الحملات الانتخابية التي تعقد ورشات متخصصة لتدريب وتأهيل القائمين عليها بهدف تمكين المرشح من الوصول إلى السلطة والفوز بأكبر قدر من أصوات الناخبين، وتتضمن الحملة الانتخابية المفردات التالية:

جدول: إستراتيجية إدارة حملة انتخابية

كما تتضمن الحملة الانتخابية تقنيات وآليات وإستراتيجيات لا يتم الإفصاح عنها إلا ضمن دارة ضيقة، وذلك بهدف الاستفادة من عامل الوقت في الإفراج عن معلومات معينة تستهدف الخصوم من جهة، وتعزز فرص نجاح المرشح من جهة ثانية، وتحول المحايدين إلى مؤيدين أو تقنعهم بضرورة المشاركة من جهة ثالثة.
وتلجأ بعض الحملات إلى تقنيات تتواءم مع طبيعة المجتمع، كشن حملة صوتية من خلال ميكروفونات مثبتة فوق السيارات في المناطق النائية التي لا تصلها التغطية الإعلامية على سبيل المثال، والاستعانة بالوجهاء والشخصيات المعتبرة في المجتمع، والاستعانة بخدمات شركات الدعاية والتسويق والترويج الإلكتروني.
يتمثل التحول الأبرز على الساحة السياسية بتطور الخطاب الإعلامي الذي بات يتيح لمئات الملايين من الأفراد مجال التعبير عن أنفسهم، وصناعة القادة بطريقتهم الخاصة، دون الحاجة إلى الأحزاب والحركات السياسية لتقديم مرشحيها، ويؤكد ذلك على ضرورة تبني مفاهيم احترافية في كل من: المحتوى، والطرح ونمط الانتشار، ويقتضي ذلك اكتساب مهارات جديدة لا تتقنها الكثير من القوى السياسية الفاعلة اليوم.
وتمثل آليات المساهمة الشعبية في صياغة السياسات العامة منفذاً واسعاً للمشاركة الشعبية في المجال العام، وذلك من خلال توظيف آليات مخاطبة الجماهير التي باتت أكثر وعياً وقدرة على التعبير عن نفسها من أي وقت مضى.
وأثبتت أحداث المرحلة 2011-2020، أنه لم يعد بمقدور السلطات الحاكمة احتكار الخطاب الإعلامي وفرض رؤاها على المجتمعات التي باتت أكثر وعياً، كما أنها لم تعد قادرة على الانفراد بالقرار السياسي، وتتطلب تلك التحولات وضع إستراتيجيات خطاب إعلامي مختلفة بالكلية عن الحقبة الماضية، وخاصة فيما يتعلق بسبل توحيد المجتمعات على قواسم مشتركة، ومحاربة الانقسامية المجتمعية وخطاب الكراهية والتمييز.
[1]  Henry Timmes and Jeremy Hiemans (2018) New Power How it’s changing the 21st century and why you need to know, p. 166
[1]  Niall Ferguson (2018) The Square and the Tower Networks and Power, from the Freemasons to Facebook, p. 405
[1]   في 13 نوفمبر 2019، أعلنت إدارة «فيس بوك» أنها حذفت 5.4 مليار حساب مزيّف حتى تاريخه في عام 2019، وذلك في مؤشر إلى الجهود المستمرة التي تُبذل على منصات التواصل الاجتماعي لمكافحة التلاعب والتضليل، وتعتقد إدارة «فيس بوك» أن نسبة الحسابات المزيّفة، وهي التي يدّعي فيها أحدهم أنه شخص أو جهة لا وجود لها، بلغت نحو خمسة بالمئة من المعدّل الشهري لمستخدميها الناشطين خلال الفصلين الثاني والثالث من العام 2019، واستثمرت شبكة التواصل الاجتماعي مبالغ كبيرة لرصد
حسابات مصممة لخداع الناس حول مصدر المعلومات وحذفها، وتحديداً عنما تنتشر المعلومات في إطار حملات منسّقة مع أجندات سياسية أو اجتماعية.
https://www.ktvz.com/news/national ـ world/facebook ـ has ـ shut ـ down ـ 54 ـ billion ـ fake ـ accounts ـ this ـ year/1141882802

الرؤية

شباب سوري واعٍ، يشارك في صنع القرار السياسي، ويسهم في صياغة مستقبله، وينافس في شتى ميادين التنمية، لتحقيق ما يتطلع إليه لرفعة وطنه وازدهار مجتمعه

الرسالة

مركز فكر إلكتروني يعمل على إدماج الشباب السوري في مجالات صنع القرار، واحتضان طاقاتهم الكامنة وإبداعاتهم الفكرية والبحثية، وتمكينهم من المساهمة الفاعلة في التنمية وبناء المجتمع، عبر التأسيس لثقافة التميز، وتحفيز المسؤولية، وترسيخ روح المبادرة، لدفعع مسيرة التقدم والازدهار

المشرف العام: د. بشير زين العابدين

وسائل التواصل الاجتماعي

جميع الحقوق محفوظة – شارك شباب © 2021