المشروع السياسي وأدوات الممارسة

موقف محرج

أجرت إحدى الصحف العربية تحقيقاً حول سيارة الأسرة القديمة التي باتت مصدراً للحرج الاجتماعي، وخاصة عندما تضطر العائلة للتنقل بها في المناسبات العامة، أو التجول بها في الشوارع الرئيسية.
ويتضاعف الحرج عندما تتعطل السيارة، وينبعث منها الدخان، ويضطر رب الأسرة لركنها على جانب الطريق، ومحاولة تصليحها بنفسه، أو البحث عمن يساعده في إصلاحها، وما تتلقاه العائلة أثناء ذلك من تعليقات ساخرة ونظرات مشفقة وهم ينتظرون على قارعة الطريق.
ونقلت الصحيفة عن إحدى الطالبات قولها إنها تجد إحراجاً كبيراً حين يأتي والدها بسيارة قديمة مهترئة، مما جعلها تطلب منه الوقوف بعيداً عن مدرستها، وأحياناً تتعمد الغياب، وأكدت أخرى أنها كانت تفوّت المناسبات العائلية لتفادي الإحراج الناتج عن قدومها بسيارة قديمة تجعل الآخرين ينظرون إليها بدونية وازدراء.
وتحدث التحقيق عن ظاهرة غريبة تتمثل في استخدام البعض سياراتهم القديمة المهترئة إما لبخل في نفوسهم، أو حرصاً منهم على عدم استهلاك سياراتهم الجديدة وتعريضها لمخاطر الطريق، بينما يمثل ضعف الاهتمام بالنظافة وانبعاث الروائح سبباً آخر للحرج الاجتماعي لدى الركاب حتى لو كانت سياراتهم جديدة.
أما في عالم السياسة، فيمكن مقارنة العديد من الحركات السياسية اليوم بتلك السيارات المهترئة التي يُصرّ قادتها على التحرك من خلالها رغم فقدانها للصلاحية، فلا هم يقومون بإصلاحها، ولا هم يحاولون تغييرها فيما يواكب حركة التحول في مجتمعاتهم.
ولعل من أبرز أسباب الفشل لدى الحركات السياسية حديثة النشأة، اللجوء إلى استخدام وسائل بالية لتحقيق الأهداف، حيث تصر بعض الحركات على ممارسة العمل السياسي من خلال منطلقات فكرية وتنظيمية تعود إلى مرحلة الستينيات من القرن المنصرم، ويقاوم قادتها أية محاولة للإصلاح أو التطوير، بينما تلجأ بعض الفئات المتحمسة إلى استخدام وسائل خاطئة تتمثل في تشكيل كيانات ذات طابع وظيفي أو مصلحي، دون تزويدها بأي بناء فكري أو ببنية تنظيمية تتناسب مع متطلبات المرحلة، وفي خضم الفوضى القائمة، وصل بعض منسوبي تلك الحركات المصلحية إلى السلطة دون امتلاك الخلفية العلمية أو الأهلية لمباشرة المسؤوليات الثقيلة لإدارة الدولة، خاصة وأن البيئة السياسية العربية لم تنضج بالقدر الذي يسمح للكيانات الناشئة أن تمارس دورها بصورة طبيعية.
وأثّر غياب أدوات الممارسة السلمية بصورة سلبية على الشباب العرب الذين اتجه بعضهم نحو العزوف عن المشاركة السياسية، فيما اندفع آخرون نحو الانضمام لجماعات الغلو التي تتبنى العنف المسلح كوسيلة للتغيير، وأسفرت تلك الظاهرة عن تشكيل ميلشيات مسلحة عابرة للحدود، ما أدى إلى اندلاع حروب أهلية وصراعات مجتمعية.
ولا يمكن الخروج من دوامة العنف تلك إلا من خلال توعية الشباب العربي بأدوات الممارسة السلمية فيما يتوافق مع البيئة السياسية، وفيما يحقق الصالح العام، ومن ثم تمكينهم من اكتساب المهارات اللازمة للدخول في العملية السياسية، والمساهمة في ترميم مؤسسات الدولة وتصحيح الانحراف البنيوي الذي طرأ في منظومات الحكم الجمهوري خلال القرن الماضي، ومن أبرز الأدوات المتاحة في مجال الممارسة السياسية ما يلي:

شكل: أدوات الممارسة السياسية.

1 ـ  الحزب السياسي
يُعرّف الحزب بأنه: «تنظيم سياسي يسعى إلى بلوغ السلطة داخل الحكومة من خلال مرشحين في الانتخابات الرئاسية وانتخابات مجالس النواب، كما يختار قيادته وأعضاء أمانته من خلال عملية انتخابية داخلية».
وتتبنى الأحزاب السياسية أيديولوجية معينة وأطروحات فكرية تنتظم في برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي، كما يقوم بعضها على تحالفات بين مصالح متباينة لا تقوم على أساس فكري محدد.
وتنطلق فكرة الحزب من أهمية إدارة التوازنات وتأليف المصالح المتباينة، حيث تعمل مؤسسات الحكم على الجمع فيما بينها، ولذلك فإن الحزب السياسي يعتبر أهم وسيط بين الحكم والشعب.
وتعكس تعددية الأحزاب حسن سير العملية السياسية، فيما يمثل مختلف الأفكار والانتماءات، إلا أن أغلب الديمقراطيات المعاصرة وقعت أسيرة النظام ثنائي الحزبية، ما أدى إلى ضعف التمثيل السياسي، وحرف مسار العملية الديمقراطية نحو الشعبوية والتيارات اليمينية المتطرفة التي بدأت تزدهر في أوروبا، في حين ارتبط نظام الحزب الواحد بالأنظمة الدكتاتورية في العالم العربي.
وثمة مشكلة كبيرة في التجربة السياسية العربية تتمثل في عدم فاعلية معظم الأحزاب، حيث أثبتت التجارب صعوبة عمل الأحزاب على أسس جماهيرية في العالم العربي، أو التأسيس لعملية تنافسية تقوم على مبدأ التداول السلمي للسلطة، ما دفع ببعض الأحزاب إلى التحالف مع العسكر كسبيل أوحد للوصول إلى الحكم.
ونظراً لضعف التجربة الحركية، فإن المجتمعات العربية تلجأ بصورة متزايدة إلى عصبويات ما دون الدولة، والمتمثلة في المناطقية والعشائرية والطائفية والإثنية، مطالبةً بتعزيز خصوصيتها المجتمعية وممارسة الحكم الذاتي، ومعتمدة على دعم وتمويل جهات خارجية، الأمر الذي يضر بالعملية السياسية ويرهنها لقوى خارجية لا تعبأ بمصلحة المجتمع.
2 ـ  جماعات الضغط
يُستخدم مصطلح «جماعة الضغط» للدلالة على الجماعة أو المنظمة التي تحاول التأثير على الحكومة، ولكنها لا تمتلك سلطة عليها، ويمكن تكوين جماعة ضغط لتأييد قضية واحدة، أو عدة قضايا تخدم هدفاً واحداً، تدفعها جماعات مصالح أو مجموعات لها اهتمامات خاصة، بهدف اتخاذ موقف سياسي أو عقائدي أو أخلاقي أو تجاري مشترك.
وتستخدم جماعات الضغط أشكالاً متنوعة لتحقيق أهدافها، منها: الضغط على الحكومة، وتنظيم الحملات الإعلامية، واستخدام الحيل الدعائية، وتنظيم الاستفتاءات، وإجراء الأبحاث، وعقد الفعاليات الشعبية والندوات الحوارية، والتغلغل في دوائر اتخاذ القرار.
وتعتمد في الغالب على موارد أقل من الموارد المتاحة للحزب السياسي، كما أنها تقوم على بنية تنظيمية محدودة نظراً لاهتمامها بمجال محدد، ويحظى الكثير منها بدعم شركات ومؤسسات ونقابات عمالية تتقاطع معها في المصالح.
ومن أهم المجالات التي تعمل فيها هذه الجماعات: مكافحة العنصرية، وحماية البيئة، والشفافية، والرقابة على المال العام، ونزع السلاح، ويتمثل الهدف الأسمى لها في كسب أكبر قدر من أعضاء السلطة التشريعية لصالحها، والضغط على الحكومة لتغيير قانون، أو سن قانون جديد يحقق مصلحة المجموعة، كما يمكنها أن تلجأ إلى الشق القضائي من السلطة عبر الاعتراض على تشريعات معينة.
ومن الأمثلة على تلك الجماعات: مؤسسة «السلام الأخضر» التي تمتلك هيكلاً عالمياً يتمثل في إنشاء مكاتب لها في أكثر من 30 دولة، ويبلغ دخلها السنوي 50 مليون دولار، بالإضافة إلى «مؤسسة الحدود الإلكترونية»، وتحالف «أوقفوا الحرب»، وغيرها من الجماعات، وتشير دراسة نشرت في بداية عام 2012 إلى أن معظم هذه الجماعات تستخدم الوسائط الاجتماعية في التفاعل مع المواطنين بصورة يومية.
3 ـ  مجموعات اللوبي
تعني كلمة اللوبي (lobby) باللغة الإنجليزية «الرواق» أو «الردهة» الأمامية، وتشير في علم السياسية إلى الجماعات أو المنظمات التي يحاول أعضاؤها التأثير على صناعة القرار بصورة منظمة، وتتبنى أهدافاً ومصالح بعيدة المدى، تعمل على الوصول إليها من خلال ممارسة ضغوط منظمة وممنهجة على صناع القرار.
وعلى الرغم من أن البعض يصنفون جماعات الضغط واللوبي ضمن إطار واحد، إلا أن عمل اللوبي أكثر دواماً وأبعد مدى من حيث الفترة الزمنية، ويظهر اللوبي على شكل جماعة غير رسمية يتفق أعضاؤها على تحقيق هدف معين من خلال الضغط على صناع القرار أو الرأي العام. وقد تكون هذه المجموعات من أصحاب الأموال الذين يستخدمون ثراءهم للتأثير على السياسة العامة فيما يخدم مصالحهم.
كما تعتمد مجموعات اللوبي على الإعلام بصورة كبيرة، وذلك بهدف التوعية وحث المواطنين على المساهمة في قضيتهم، وترجيح كفتهم أثناء الانتخابات، أو لتجنيد الرأي العام في غير الانتخابات.
4 ـ  النقابات
تُعرّف النقابة بأنها: «تجمع يضم عدداً من أصحاب مصالح محددة، يعمل على تحسين وضعه وحماية مصالحه من خلال التأثير في وضع السياسات»، ومنها على سبيل المثال: اتحادات العمال، والاتحادات التجارية، والتي تأخذ السلطة بمشورتها في العلاقات ثلاثية الأطراف (العمال والموظفون والدولة)، بحيث تقوم الدولة بدور المنسق في هذه العلاقات، وذلك من خلال إطار عمل يمكن من خلاله معالجة المسائل السياسية والاقتصادية مع هذه الجماعات المنظمة والمركزية.
وتتمتع بعض الدول العربية بتجارب عريقة في العمل النقابي، حيث تزامنت ظاهرة النقابات مع تأسيس المدن الكبرى في العصور الوسيطة، وتحول نمط الإنتاج من الإقطاع إلى الصناعة والخدمات، ما أدى إلى ظهور طبقة من أصحاب المهن الذين يعملون على وضع معايير للصناعات المختلفة وحمايتها.
5 ـ  منظمات المجتمع المدني
يشير مصطلح المجتمع المدني إلى الأنشطة التطوعية التي ينظمها المجتمع حول مصالح وقيم وأهداف مشتركة خارج دائرة العمل الحكومي، وتعمل هذه المنظمات في الدول العربية خارج إطار العملية السياسية نتيجة الإخفاق الرسمي في إدماج الجماهير.
ويضم المجتمع المدني مجموعة واسعة النطاق من المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية، والتي تُعبّر عن اهتمامات وقيم أعضائها، استناداً إلى اعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية.
ويكمن دور السلطة في تنظيم عمل المجتمع المدني، ووضع المعايير الحاكمة له، وسن القوانين والتشريعات الخاصة بنشاطه، ويدخل ضمن ذلك شركات المساهمة والتأمين التعاوني، وينظر لها في المجتمعات الغربية على أنها منظومة نشطة للتضامن الاجتماعي باعتبارها أدوات إنتاجية توفر فرص العمل وتسهم في تحقيق الرخاء.
وهنالك ارتباط كبير بين مستوى التعددية واحترام الحريات العامة، وبين مكانة منظمات المجتمع المدني وأدوارها، حيث تضيّق السلطات الشمولية من حركة تلك المنظمات، وتكمن الميزة المشتركة التي تجمع بين منظمات المجتمع المدني في استقلاليتها عن الدولة، ولعل هذا الطابع الاستقلالي هو ما يسمح لها بأن تعمل ميدانياً وأن تضطلع بأدوار مهمة في المجتمع.
6 ـ  الجماعة
على الرغم من وجود تاريخ عريق للعمل الجماعي في المنطقة العربية، إلا أن «الجماعة» بمفهومها المعاصر قد ظهرت في نهايات الحكم العثماني في الأقاليم العربية، حيث قام بعضها على أسس قومية، وقامت أخرى على أسس دينية، وشهد النصف الأول من القرن العشرين ظهور العديد من الجماعات التي قامت بدور المحضن الآمن لأتباعها، موفرة لهم المورد الثقافي والفكري والتنظيمي وسبل الانتشار والتحشيد.
وتنتظم الجماعات -التي ينسجم أعضاؤها فيما بينهم في الأفكار والمعتقدات- في هياكل تنظم الأدوار ومستويات العضوية والعلاقات بين الأعضاء، ومن أهم خصائصها: وحدة المعايير والقيم، ووحدة الهدف، والديناميكية التي تضبط نمط التفاعل داخل الجماعة ونمط علاقاتها مع الخارج، وتبني طريقة معتمدة للحراك والتواصل، وتعمل كمحاضن تربوية تقدم برامج متكاملة لأعضائها على الصعد الفكرية والثقافية والسياسية والمجتمعية، كما ينخرط الكثير منها في مشاريع ومؤسسات وأعمال على مستويات وطنية ودولية.
وعلى الرغم من القمع والتشديد الذي تعرضت له معظم الجماعات العربية، إلا أنها قامت بأدوار فاعلة في رفد الشباب العربي بمنظومات من المعايير والسلوكيات، وفلسفة الحياة، وتوفير الخبرات والمهارات والتدريب لأعضائها في شتى المجالات، فضلاً عن الأدوار الإيجابية التي مارستها في شتى مجالات العمل السياسي والخيري والمجتمعي، وتوفير المرجعية، إلا أن تحديات المرحلة المعاصرة تدفعها نحو التحول إلى التفاعل مباشرة مع الجماهير بدلاً من العمل على تأهيل الكوادر ومخاطبة الأعضاء، ويضطر الكثير منها للتحول إلى أحزاب سياسية أو إلى شبكات تستخدم كوادرها في استقطاب الجماهير.
7 ـ  التيار
يُعرّف التيار لغة بأنه: «حركة سطحية تحدث في ماء المحيط، وتتأثر باتجاه حركة الرياح»، كما يُعرف التيار بأنه: «شدة جريان الماء»، أما في الإطار السياسي، فتستخدم الكلمة للإشارة إلى الحركات الفكرية التي تنتهجها مجموعة من الأشخاص أو الأحزاب أو الجماعات المتباينة لفكرة أو اتجاه واحد، ويكون هدفهم من ذلك إحداث تغيير إيجابي على الصعد السياسية، أو الاجتماعية، أو الاقتصاديّة.
ولا يأخذ التيار صفة الديمومة إلّا إذا تحول إلى حزب أو إلى تنظيم يحمل برنامجاً سياسياً وله مبادئ وأهداف، وتمثيل سياسي، ومن أبرز التيارات التي ظهرت في الفترة الحديثة: العلمانيّة، والقوميّة، والإسلامية، والاشتراكية، وغيرها من التيارات التي انبثقت عنها العديد من الأحزاب والجماعات، إذ ينضوي داخل التيار مجموعة من الجماعات والأحزاب المتباينة في تنظيمها، والمتفقة على منظومة من المبادئ العامة التي تنخرط في مفاهيم ذلك التيار.
8 ـ  الشبكة
أسهمت ثورة المعلومات والاتصالات في إنتاج أنماط جديدة من التفاعل السياسي بين مختلف الفئات، حيث يتزايد الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي في صياغة أفكار الأفراد والمجموعات في الشؤون السياسية والاجتماعية.
كما وفرت تلك الوسائل فضاءات واسعة في مجال التفاعل السياسي، كحضور الاجتماعات، وتنظيم التظاهرات، والفعاليات، وتعزيز البنى التنظيمية، وتبادل التعليمات والتكليفات والمهام. بحيث أصبح للحركات قدرة أكبر من أي وقت مضى على التعبئة والحركة (movement) بمعناها الفعلي، والتي يحول الأفراد من خلالها المبادرات الفردية إلى أعمال وأفعال جماعية لتحقيق التغيير.
ومن أبرز مؤثرات انتشار الشبكات، تعزيز ظاهرة العولمة، وفتح مجال التشكل السياسي خارج إطار الدول، وتمكين الأفراد من ممارسة التأثير والحشد والدعاية والانتشار دون الانتماء إلى تشكيل سياسي محدد.
كما مكّنت ثورة الاتصالات المجموعات المختلفة عبر العالم من تخطي الرقابة والقيود التي تفرضها الحكومات، وحفزتها لصياغة آليات مختلفة في الفعل السياسي الجماعي، بحيث أصبح من المتاح لذوي المصالح المشتركة إيجاد بعضهم البعض، ومشاركة الاهتمامات والمصالح فيما بينهم، وصياغة الهيكلية المنظمة والهوية لكياناتهم الافتراضية، والانطلاق منها لمخاطبة الجماهير، ويمكن الاطلاع على نمط التحولات المتوقعة في مجال العمل الشبكي في المبحث المقبل بعنوان: «ولوج عالم الشبكات».
9 ـ  الائتلافات والتكتلات
«الائتلاف» مصطلح سياسي يطلق على تحالف مؤقت بين عدد من الأحزاب السياسية للوصول إلى أهداف مشتركة، ويحدث عادة في البلدان ذات النظم البرلمانية التي تعكس تعدد الأحزاب السياسية فيها، وخاصة عندما لا يستطيع أحد الأحزاب الفوز بأغلبية المقاعد فيضطر إلى تكوين ائتلاف مع أحزاب أخرى.
ولا يقتصر تشكيل الائتلاف على تشكيل الحكومات الائتلافية، بل يمكن أن يشمل تحالفاً من عدة أحزاب متباينة الاتجاهات تجتمع لتحقيق هدف معين.
ويقع في حكمها سائر التكتلات والتحالفات بين الأحزاب والمنظمات التي تتجمع فيما بينها لتمثيل مصالحها، ويكون أعضاؤها من تلك الكيانات بدلاً من الأفراد، وتنتظم في «اتحادات فدرالية»، وتوصف كذلك باسم التحالف أو التكتل أو الجبهة.
10 ـ  أدوات الإقناع
يتنامى استخدام وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، لتعزيز التفاعل السياسي خارج الإطار الرسمي أو الحزبي، حيث تضطلع وسائل الإعلام التقليدية والإعلام الرقمي بإنتاج برامج حوارية وتنظيم الحملات الترويجية، ونشر الأفكار والمبادئ، وعقد المناظرات والقيام بأعمال النشر والوساطة والتحكيم.
11 ـ  أدوات الإكراه
تعمد القوى السياسية المتحكمة بمصادر القوة إلى استخدام أدوات الإجبار كالقوة العسكرية والضغط الاقتصادي، والقمع الأمني، والنفي والتهجير والإخفاء القسري، بهدف إلزام أفراد المجتمع بالتزام قرارات معينة، وبالإضافة إلى كثافة استخدام تلك الوسائل من قبل النظم الاستبدادية، تمتلك الديمقراطيات المعاصرة حق الإجبار فيما يتعلق بتنفيذ القوانين والنظم الحاكمة لمختلف جوانب الحياة العامة.
12 ـ  أدوات الضغط الشعبي
تتنامى في العالم العربي مظاهر الاستخدام الشعبي لوسائل التظاهر والإضراب والاعتصام، وصولاً إلى العصيان المدني الشامل بهدف إجبار الحاكم على التنازل، أو إسقاط نظام الحكم، أو المطالبة بإصلاحات واسعة النطاق، وشهدت الحقبة (2011 -2020) توسعاً كبيراً في تطوير واستخدام أدوات الضغط الشعبي، حيث ظهرت العديد من المصنفات والتطبيقات التي تؤصل لمفاهيم العمل السياسي الشعبي خارج الإطار الحزبي، والتي تقوم على مفاهيم «النضال اللاعنيف» ضد الأنظمة القمعية، ما جعلها السمة الأبرز في الممارسة السياسية خلال العقد الماضي، ودفع بالعديد من الباحثين، أبرزهم جين شارب،[1] للتأصيل للعمل السياسي من مفهوم «اللاعنف» عبر تصنيفها في خمسة مراحل رئيسة هي:
1 ـ مرحلة التقييم والتحليل.
2 ـ  مرحلة تطوير الإستراتيجية.
3 ـ  مرحلة بناء القدرة.
4 ـ  مرحلة النضال المفتوح.
5 ـ  نهاية الصراع.
ومن ثم تصنيف 198 أسلوباً في أعمال النضال المفتوح غير العنيف، ضمن 15 مجالاً رئيساً هي:

جدول: أعمال النضال المفتوح اللاعنيف.

ومثلت مصنفات جين شارب الأساس لخطط إستراتيجية تم تنفيذها على نطاق واسع في الدول العربية خلال العقد الماضي، حيث لجأت الفئات الشبابية إلى صياغة إستراتيجيات متباينة في التعامل مع السلطات القمعية في الجمهوريات العربية المتداعية.
13 ـ  القوى الفاعلة غير الحكومية
تُعرّف القوى الفاعلة غير الحكومية (non state actors) بأنها: «جهات غير حكومية، تتكون من أفراد أو جماعات، تمتلك قوة اقتصادية، أو سياسية، أو اجتماعية، وتمارس التأثير على المستوى القومي وأحياناً على الدولي دون انتمائها إلى مؤسسة دولة معينة»، وتفتقر إلى القدرة القانونية لتصبح طرفاً في أية معاهدة دولية، وتشمل: حركات التحرر، والسلطات الحاكمة بحكم الأمر الواقع، كما تشمل الدول التي لا يُعترف بها دولياً أو يتم الاعتراف بها جزئياً، ما يدفع بعضها لممارسة العنف، عبر تشكيل الميلشيات المسلحة أو الجماعات «شبه العسكرية»، واستخدام القوة العنيفة لتحقيق أهدافها، والانخراط في ممارسات غير مشروعة كالعمليات الإرهابية (المحلية والدولية)، وغسيل الأموال، وتجارة المخدرات، والقيام بأعمال تتحدى الدولة وتضعف سيادتها.
وعلى الرغم من وجود مثل تلك القوى في مراحل مختلفة من التاريخ، إلا أنها ازدهرت بصورة ملحوظة في العقد الماضي، مستفيدة من الدعم الخارجي الذي قدمته دول مثل الولايات المتحدة للميلشيات الإثنية والطائفية في العراق عقب الغزو الأمريكي (2003)، والدعم الذي تقدمه إيران للميلشيات الطائفية المسلحة في سوريا ولبنان والعراق واليمن، ولغيرها من الجماعات والمنظمات المناهضة للدولة في المنطقة العربية.
وشهد العقد الماضي ممارسة تلك الجماعات أدواراً إقليمية ودولية، مستفيدة من تضعضع النظم الجمهورية، وانهيار القوات المسلحة الرسمية، بحيث أصبحت تلك الجماعات تمارس أدواراً فوق الدولة وتتمتع بمستويات من التسليح والتدريب يتفوق على الدول التي تنشط فيها.
وبالإضافة إلى الأدوار التخريبية التي مارستها الجماعات الطائفية مثل: «حزب الله» في لبنان، و«الحشد الشعبي» في العراق، والعشرات من الميلشيات والجماعات شبه المسلحة في سوريا، و«أنصار الله» في اليمن، وكذلك الجماعات الإثنية مثل «البيشمرغة» و«وحدات حماية الشعب الكردية»، برزت مجموعات متطرفة عابرة للدول مثل: تنظيم «القاعدة» والميلشيات المنتمية إليها مثل: «جبهة النصرة» و«حراس الدين»، بالإضافة إلى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، وغيرها من الجماعات المغالية التي ارتكبت جرائم بحق آلاف المدنيين في المنطقة العربية.
ومثّل انتشار الجماعات المسلحة غير الحكومية السمة الأبرز للصراع في المنطقة خلال العقد الماضي، حيث استفادت هذه الجماعات من فشل هياكل الدولة في استيعاب الشباب المندفع للإصلاح والتغيير، ما دفع بفئات منهم للنزوع إلى العنف والانضمام إلى تلك الجماعات التي بات البعض منها يحظى بالتسليح والدعم والتمويل من قبل بعض الدول، الأمر الذي مكنها من توسيع رقعة نفوذها وبسط سيطرتها على الموارد والثروات الطبيعية، ومن الانخراط في الدبلوماسية الدولية حالها حال الدول، بالإضافة إلى تعزيز قدراتها التنظيمية وأنشطتها الاقتصادية.
وشهد العقد الماضي ظهور مصطلح «الجيل الثالث» من القوى الفاعلة خارج الدول، والمتمثل في اعتماد بعض المجموعات على التقنيات الحديثة في تطوير أعمالها وتبني أجندات دولية، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، تنظيم «داعش» الذي اعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي لإقناع نحو 30 ألف شخص من مختلف دول العالم بالانضمام إليه، و«الهجرة» إلى العراق أو سوريا، فضلاً عن إنشاء خلايا نشطة في مختلف الدول، واستخدام الإعلام الاجتماعي في ممارسة أعماله التنظيمية كتوسيع العضوية والإقناع والتدريب والتأهيل وإرسال التعليمات وتنفيذ العمليات الإرهابية.
وعلى الرغم من إنفاق الولايات المتحدة نحو 6 تريليون دولار في الحرب على الإرهاب خلال الفترة 2003 -2020، إلا أن قدرة تلك المجموعات الإرهابية على القيام بأدوار سياسية وعسكرية لا تزال في تزايد مستمر، خاصة وأنها قد تمكنت من تطوير قدراتها على التكيف مع القيود وإعادة التشكيل، واستغلال الفوضى والعنف المصاحبين للتغيير.
ويتمثل التحدي الأكبر خلال المرحلة المقبلة في تطوير هياكل الدولة بما يلبي احتياجات السكان ويُقدم لهم برامج مُقنعة في العمل السياسي، بهدف الحد من مظاهر العنف والتسلح وانتشار عصبويات ما دون الدولة على أسس إثنية وطائفية ومناطقية وعشائرية.

نمط التشكل الأفقي

ترتسم في المنطقة العربية معالم ساحة سياسية مغايرة للنمط الذي ساد في القرن الماضي، حيث تُمثّل الزيادة السكانية، والانزياحات السكانية الكبرى في المنطقة العربية (الهجرة واللجوء والنزوح)، وما يتزامن معها من انهيار للسلطة المركزية وتراجع نفوذ العواصم (التي شكلت مراكز للسلطات الحاكمة)، نمط انتشار أفقي يصعب من خلاله اعتماد نمط واحد من أنماط الممارسة السياسية.
فمع انهيار مفهوم «الحزب الحاكم» الذي فرضته السلطات الاستبدادية في العالم العربي، ينتشر نمط ممارسة شعبية أكثر تنوعاً من أي وقت مضى، حيث يُسفر تدهور دور السلطة المركزية عن تشكل كيانات سياسية على أسس إثنية وطائفية وعشائرية ومناطقية ودينية ومذهبية، الأمر الذي يجعل من غير الممكن الاعتماد على أداة واحدة في العمل السياسي، إذ بات من المتعذر الاعتماد على الحزب السياسي للاستحواذ على أغلبية الأصوات وتشكيل الحكومة، ويمكن ملاحظة ذلك جلياً في الدول المنعتقة من السلطة الاستبدادية، والتي تتمثل السلطة فيها بحكومات ائتلافية نتيجة عجز أي حزب عن كسب أصوات الأغلبية.
وبناء على تلك التحولات، فإنه من المهم تشكيل المشاريع السياسية في المرحلة المقبلة على أسس أفقية بدلاً من الكيانات التي تقوم على بنى هرمية (عمودية)، والعمل على تنويع الأنماط والممارسات السياسية بهدف إتاحة مجال الممارسة لجميع فئات المجتمع، إذ لم يعد من الممكن للأحزاب السياسية اليوم أن تعمل بكفاءة دون: دعم وتوجيه من مراكز الفكر والدعم المعلوماتي، ودون الاعتماد على مؤسسات إعلامية رديفة لنشر أفكارها، ودون التعاقد مع شركات علاقات عامة لنظم العلاقة مع محيطها، فضلاً عن ضرورات تشكيل التحالفات الإستراتيجية في البيئة المجتمعية المنقسمة، والعمل من خلال نطاق شبكي يُشكّل عصب الممارسة الفاعلة في الشأن العام.
وبناء على ذلك فإن المشروع السياسي يجب أن يتسم في المرحلة المقبلة بالتنوع في الخطاب، وبالتعدد في استخدام الأدوات، وباعتماد نمط انتشار أفقي، خاصة وأن معظم سكان المناطق وأبناء العشائر والطوائف، وغيرهم من الفئات السكانية، يميلون إلى ترجيح عصبوياتهم الهامشية على الاعتبارات الاحترافية أو الوطنية في العمليات الانتخابية، وذلك بهدف ضمان تمثيل مصالحهم في البيئة السياسية المتقلبة التي يعاني منها العالم العربي.
ويمكن أن يتضمن المشروع السياسي على سبيل المثال:
1 ـ  تشكيل ائتلاف من مجموعة أحزاب سياسية على صورة جبهة أو تحالف أو تكتل.
2 ـ  رفد ذلك التشكيل بعلاقات مجتمعية واسعة النطاق من خلال منظمات المجتمع المدني.
3 ـ  إنشاء لوبيات وجماعات ضغط متخصصة تعمل في الدول الخارجية ذات النفوذ في المنطقة.
4 ـ  تأسيس شركة علاقات عامة تساعد على نظم العلاقة مع البيئة المحيطة.
5 ـ  الاعتماد على مركز دعم معلوماتي يوفر الأرقام والإحصائيات والمعلومات الحصرية التي ترفد المشروع.
6 ـ  إنشاء منافذ إعلامية تساعد على التواصل مع الجمهور دون الحاجة إلى الإعلام الرسمي.
7 ـ  تشكيل شبكات تواصل اجتماعي تساعد على تحقيق الانتشار الأفقي للأفكار والقيم.
8 ـ  الاستعانة بشركات قانونية تقدم خدمات الاستشارات في البيئة السياسية التي تتسم بالتقلب والعنف.
9 ـ  تعزيز الموارد البشرية من خلال شركات متخصصة في التدريب الاحترافي والمهني.
وتساعد تلك البنية الأفقية للمشروع على التخفيف من غلواء العمل المركزي في بيئة تعددية من جهة، وعلى تقليل المخاطر التي تشوب العمل السياسي في العالم العربي من جهة ثانية، كما أنها تسهم في توفير النفقات، وإتاحة مجال العمل الربحي للمؤسسات التخصصية التي يسوغ فيها ممارسة العمل الربحي، مثل: شركات الإعلام، والاستشارات القانونية، والعلاقات العامة.

شكل: نمط التشكل الأفقي (الشبكي) للمشروع السياسي.

ولا شك في أن استخدام الوسائل الخاطئة في الحقبة الماضية قد مثل العنصر الأكثر خطورة في الممارسة السياسية في العالم العربي، إذ نتج عنه سفك الدماء ومعاناة الملايين من الإجراءات التعسفية والقمع الممنهج، خاصة عندما تتلبس الجماعة بلبوس الحزب السياسي لممارسة الحكم، أو عندما تلجأ الجماعة إلى ممارسة العنف السياسي كوسيلة للتغيير.
وقبل المضي في أي عمل جديد أو التبشير بأية عملية إصلاحية، يتعين على جميع القوى السياسية الفاعلة أن تراجع وسائلها وأدواتها وآليات عملها، بهدف مواكبة التحولات الكبرى في المنطقة.

Gene Sharp (2005) Waging Nonviolent Struggle: 20th Century Practice And 21st Century Potential, Extending Horizons Books, New Hampshire, USA.

الرؤية

شباب سوري واعٍ، يشارك في صنع القرار السياسي، ويسهم في صياغة مستقبله، وينافس في شتى ميادين التنمية، لتحقيق ما يتطلع إليه لرفعة وطنه وازدهار مجتمعه

الرسالة

مركز فكر إلكتروني يعمل على إدماج الشباب السوري في مجالات صنع القرار، واحتضان طاقاتهم الكامنة وإبداعاتهم الفكرية والبحثية، وتمكينهم من المساهمة الفاعلة في التنمية وبناء المجتمع، عبر التأسيس لثقافة التميز، وتحفيز المسؤولية، وترسيخ روح المبادرة، لدفعع مسيرة التقدم والازدهار

المشرف العام: د. بشير زين العابدين

وسائل التواصل الاجتماعي

جميع الحقوق محفوظة – شارك شباب © 2021