أجرت إحدى الصحف العربية تحقيقاً حول سيارة الأسرة القديمة التي باتت مصدراً للحرج الاجتماعي، وخاصة عندما تضطر العائلة للتنقل بها في المناسبات العامة، أو التجول بها في الشوارع الرئيسية.
ويتضاعف الحرج عندما تتعطل السيارة، وينبعث منها الدخان، ويضطر رب الأسرة لركنها على جانب الطريق، ومحاولة تصليحها بنفسه، أو البحث عمن يساعده في إصلاحها، وما تتلقاه العائلة أثناء ذلك من تعليقات ساخرة ونظرات مشفقة وهم ينتظرون على قارعة الطريق.
ونقلت الصحيفة عن إحدى الطالبات قولها إنها تجد إحراجاً كبيراً حين يأتي والدها بسيارة قديمة مهترئة، مما جعلها تطلب منه الوقوف بعيداً عن مدرستها، وأحياناً تتعمد الغياب، وأكدت أخرى أنها كانت تفوّت المناسبات العائلية لتفادي الإحراج الناتج عن قدومها بسيارة قديمة تجعل الآخرين ينظرون إليها بدونية وازدراء.
وتحدث التحقيق عن ظاهرة غريبة تتمثل في استخدام البعض سياراتهم القديمة المهترئة إما لبخل في نفوسهم، أو حرصاً منهم على عدم استهلاك سياراتهم الجديدة وتعريضها لمخاطر الطريق، بينما يمثل ضعف الاهتمام بالنظافة وانبعاث الروائح سبباً آخر للحرج الاجتماعي لدى الركاب حتى لو كانت سياراتهم جديدة.
أما في عالم السياسة، فيمكن مقارنة العديد من الحركات السياسية اليوم بتلك السيارات المهترئة التي يُصرّ قادتها على التحرك من خلالها رغم فقدانها للصلاحية، فلا هم يقومون بإصلاحها، ولا هم يحاولون تغييرها فيما يواكب حركة التحول في مجتمعاتهم.
ولعل من أبرز أسباب الفشل لدى الحركات السياسية حديثة النشأة، اللجوء إلى استخدام وسائل بالية لتحقيق الأهداف، حيث تصر بعض الحركات على ممارسة العمل السياسي من خلال منطلقات فكرية وتنظيمية تعود إلى مرحلة الستينيات من القرن المنصرم، ويقاوم قادتها أية محاولة للإصلاح أو التطوير، بينما تلجأ بعض الفئات المتحمسة إلى استخدام وسائل خاطئة تتمثل في تشكيل كيانات ذات طابع وظيفي أو مصلحي، دون تزويدها بأي بناء فكري أو ببنية تنظيمية تتناسب مع متطلبات المرحلة، وفي خضم الفوضى القائمة، وصل بعض منسوبي تلك الحركات المصلحية إلى السلطة دون امتلاك الخلفية العلمية أو الأهلية لمباشرة المسؤوليات الثقيلة لإدارة الدولة، خاصة وأن البيئة السياسية العربية لم تنضج بالقدر الذي يسمح للكيانات الناشئة أن تمارس دورها بصورة طبيعية.
وأثّر غياب أدوات الممارسة السلمية بصورة سلبية على الشباب العرب الذين اتجه بعضهم نحو العزوف عن المشاركة السياسية، فيما اندفع آخرون نحو الانضمام لجماعات الغلو التي تتبنى العنف المسلح كوسيلة للتغيير، وأسفرت تلك الظاهرة عن تشكيل ميلشيات مسلحة عابرة للحدود، ما أدى إلى اندلاع حروب أهلية وصراعات مجتمعية.
ولا يمكن الخروج من دوامة العنف تلك إلا من خلال توعية الشباب العربي بأدوات الممارسة السلمية فيما يتوافق مع البيئة السياسية، وفيما يحقق الصالح العام، ومن ثم تمكينهم من اكتساب المهارات اللازمة للدخول في العملية السياسية، والمساهمة في ترميم مؤسسات الدولة وتصحيح الانحراف البنيوي الذي طرأ في منظومات الحكم الجمهوري خلال القرن الماضي، ومن أبرز الأدوات المتاحة في مجال الممارسة السياسية ما يلي: